ابن عبد الله ، ولأن الغض عنده غض عند الله ، فلذلك هو نابع عن تقوى الله ، وليعش المؤمن غضا لكيانه ككل عند الله وعند رسوله ، فلا يقدم بين يدي الله ورسوله.
ثم ومن سوء الأدب مناداة الرسول من وراء الحجرات وإن كانت غضيضة غير عالية على صوته ، ولا جاهرة كجهرنا لبعض ، فإنما النداء المؤدب هي المواجهة الحضور :
(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
لقد وفدت العرب من كل مكان إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم عام الفتح الوفود ، فكانت جفاة الاعراب ينادونه من وراء الحجرات (١) ، المطلة على المسجد النبوي الشريف : يا محمد اخرج لنا ، فكان يكره الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الجفوة الفجوة المزعجة ، فمسح الله تعالى غبار الانزعاج عن خاطره الأقدس ان (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) فهم جفاة جاهلون لا يبغون هتكا لساحتك ولا فتكا لكرامتك ، فاغفر لهم هفوتهم منبها لهم لكي لا يعودوا فتحبط أعمالهم ، كما (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : ارحمهم كما الله ، ان تعلّمهم عن جهلهم ، واغفر لهم كما الله فإنهم لا يعقلون ، وان كانت ثمة قلة يعقلون ، فينادونك من وراء الحجرات تساهلا في حرمتك ، أو هتكا لحرمتك كالمنافقين.
فليصبر المؤمن حتى يخرج اليه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فإنه لا يصبر في حجراته عن حوائج المرسل إليهم الا لضرورة بيتية عائلية ، او استراحة شخصية ، هما لزام
__________________
(١) الدر المنثور : أخرج البخاري في الأدب وابن أبي الدنيا والبيهقي عن داود بن قيس قال : رأيت الحجرات من جريد النخل مغشى من خارج بمسوح الشعر وأظن عرض الباب من باب الحجرة إلى باب البيت نحوا من ستة أو سبعة اذرع واحزر البيت الداخل عشر أذرع وأظن سمكه بين الثمان والسبع.