ترى من هم الأعراب هنا ، أهم قوم العرب؟ ومنهم مؤمنون ، ومن هم المنطلق الأول للدعوة الإسلامية ، بالغين ذروة الايمان ، كالسابقين المتسابقين لإجابة الدعوة في طريق شائك بألوان البلاء ، مليء بالأشلاء وسيول الدماء! أم هم كل متكلم باللغة العربية؟ فكذلك الأمر وأحرى ، كما التاريخ يشهد بسباق جماعة من العجم في الإيمان ، لا حقين أم سابقين!
أو هم جماعة من أولاء أو هؤلاء؟ ولام الاستغراق تنفيه ، وأدب التعبير القرآني ينافيه! إذا فهم جماعة طبعهم اللّاإيمان وإن آمن بعض منهم بعد طول مدة الدعوة ، وهو الصحيح لغويا وقرآنيا : إنهم أهل البوادي ، البعيدين عن الثقافات ، القريبين إلى الشقاوات والقساوات : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٩ : ٩٧) فالأعراب جمع العرب : الظاهر ، الذي يحيى حياة مكشوفة بادية بدائية ، تظله السماء وتقله الأرض ، فهم ـ إذا ـ الظاهرون من الناس ، غير المدنيين ، عربا أو عجما ، كما الإعراب إظهار موقف الكلمة من حركات تدل على موقعها النحوي ، وكما القرآن حكم عربي : ظاهر لمن استظهر ، لا تعقيد فيه لا تفهما ولا تطبيقا : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) (١٣ : ٣٧) لا أنه خاص بالعرب القومي ، أو من يتكلم بالعربية ، فإن رسالة القرآن عامة عالمية! : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ..) (٣٩ : ٢٨) لا عوج في عربيته : وضوحه في كافة المجالات ، وسهولته في مختلف المتطلبات ، دون تشديد ولا تعقيد!.
هؤلاء الاعراب قالت آمنا : مدلّلين كأنهم آمنوا «ولمّا» .. فهم في البداية أسلموا وقلوبهم فارغة عن الإيمان ، ومنهم الذين آمنوا بعد كما توحيه «لمّا» الدالة على انتظار مدخولها ، وقد آمن من آمن ، وإن كانوا قلة ، وكفر من كفر أو نافق وهم الكثرة ـ ف : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً .. وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).