يدل على ركيزة الايمان اللّاارتياب ، فيجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، فأولئك حقا هم الصادقون أنهم مؤمنون ، ومن دونهم دون الصادقين حقا وعملا ، وإن كانوا صادقين قولا وقلبا لما دونه من درجات الإيمان ، فالإيمان درجات ، كما الإسلام درجات ، وما دونهما دركات!.
فمنهم من أسلم ولما يدخل الايمان في قلبه ، ومنهم من آمن ولمّا يثبت في الايمان فلم يتبع الإسلام الناتج عن الايمان ، ومنهم من ثبت الايمان في قلبه دون ارتياب ولم يصل الى قمة الجهاد بالأموال والأنفس ، ومنهم من وصل فهو المؤمن حقا وصدقا.
وقد توحي «ثم» هنا دون «و» باشتراط التهنّأ والتهيّء للثبات على شريطة الإيمان الحق ، دون مجرد اللّاارتياب حينا ثم الانفلات الى شيء من الارتياب.
ف «ثم» تثبت ثبات اللاارتياب بعد الإيمان دوما ، ما كان المؤمن في قيد الحياة دون انفلات ، مجاهدا بماله وما له من طاقات وإمكانيات في سبيل الله نفسا ونفيسا أم ماذا ، فانطلاقة الجهاد انطلاقة ذاتية من قلب المؤمن ، تحقق صورة وضيئة في قلبه في سيرة مرضية بقالبه في واقع الحياة ، فحياته وحيدة مليئة بالإيمان ، لا ازدواجية له بين عقيدة الإيمان وعمل الإيمان ، بل هي تؤذيه وتصدمه إذا لا يطيق توحيدها لضغوط خارجية ، فالخصومة بين المؤمن وحياة الجاهلية من حوله ـ كذلك ـ ناشئة من وحدوية الإيمان.
وما أهمها هنا (ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) كما في (الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا)! فالطريق شائك ، وصراط الإيمان مليء بالبلاء ، مفروش بالدماء والأشلاء ، بحوادث وهواجس تزلزل وتزعزع ، فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان ، وعند تقلّب الأحوال يعرف جواهر الرجال.
(قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).