تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) : من أجسادهم ـ فقط ـ والأرواح باقية كما هي! فهم ـ إذا ـ لا يذهبون ضياعا في أجسادهم ، فالأصيلة من أجزائها ـ التي عاشتها حياتها أو حياة التكليف ـ ترجع يوم حشرها ، وغيرها التي كانت من غيرها ، ترجع إلى أصحابها ، والزائدة الفضولة التي لا دور لها ثوابا أو عقابا قد تنفصل عنها ، وكل ما يجب حفظه في ميزان العدل والفضل للحشر يحفظ : (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) : كتاب التكوين الحفاظ عن أيّ ضياع ، فلا تضل أجزاء الأبدان في بعض ، كما ولا تضل في الأرض ، وكما لا تفنى عن جواهرها ، وإنما تتبدل ترابا وهي محفوظة في علم الله أينما حلت وارتحلت أو تبدلت عناصر اخرى ، فسيعيدها الله سيرتها الأولى (١) ، ثم لا فحسب انها محفوظة في علم الله ، بل وعند ملك الموت أيضا ـ لمّا يتوفاهم ـ بإذن الله : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (٣٢ : ١١) فالإنسان بجسمه وروحه محفوظ في كتاب حفيظ متوفى : مأخوذ بقبضة الموت وافيا دون انفلات ، فمهما ضلت أجزاء ـ كالمسبقة أم ماذا؟ عن علومنا ، ولكنها بعين الله وفي علم الله : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) فأين البعد بعد ، اللهم إلا بعدا في عقولهم : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) (٣٢ : ١٠)! بعدا عن البعيدين عن عقولهم ، المتحللين عن ضمائرهم ، القريبين إلى شهواتهم وغاياتهم ، فلا هنا إنذار بعيد ولا رجع بعيد :
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) : تكذيب دون أية حجة
__________________
(١). هنا وجه آخر : هو الآخر ان قد علمنا ما تنقص الأرض ـ في نفسها ـ منهم : بسببهم ـ اي ان الاجزاء الارضية التي تصبح إنسانا هي معلومة لدينا ، الا انه لا يمت بصلة للجواب عن مشكلة ضلال الأجزاء ، اللهم الا تقدمة للوجه الاول : ان الله يعلم الاجزاء الناقصة عن الأرض التي تتحول اجزاء للإنسان ـ وهي محفوظة في كتاب حفيظ على طول الخط ـ فثم إذا نقصت الأرض من أبدانهم ما نقصت ، فالأجزاء المنقوصة ايضا معلومة ـ ولا بأس بالجمع بين الوجهين وأما خصوص الثاني فلا.