أم ريبة ، إلا هواجس وهوسات جهنمية! وانه لتكذيب جاهل معاند : أن يكذب بالحق لما جاء ، دون تأمل فيه ، أو أية شائبة وريبة تعتريه ، وانما جحودا للحق لأنه يربطهم عن الحريات ، ويقيدهم عن الشهوات ، والإيمان قيد الفتك ، وناكر الحق هكذا يعيش في أمر مريج : مختلف خليط رجيج ، وقد توحي «في» انهم غائصون غارقون في يمّ متلاطم مائج مارج ، إذ ضلوا في صراط الحياة عن الحق ، إلا ما يحقق شهواتهم وكله باطل ، تتقاذفه الأهواء ، وتتأرجح حياته في هباء ، إذ لا مستقر له إلا الهوى (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) : مختلط : حيث اختلط أمرهم في عقولهم إذ كذبوا بالحق ، فلو أنهم شاكون فيه فليتبينوا والحق بنفسه بينة ، ويملك من صنوف البينات ما تحققه ، فإن حققوه فلما ذا التكذيب؟ وإن احتاروا ـ ولن ـ فكذلك الأمر ، إلا أن يقولوا : نحن في شك حتى يأتينا البيان ، وإن فاجئوا الحق وجابهوه بالتكذيب فأضل وأطغى! ومن مريج أمرهم أنهم مختلفون في أنفسهم ومع بعض في تكذيب الحق : أفترى على الله كذبا أم به جنة ، او هو ساحر أم كاهن أم مزدجر ، أو أن كلامه سحر يؤثر أم ماذا؟ من تقوّل مريج في وجه الحق البهيج!.
ومن ثم يمرج أمرهم في كافة شئون الحياة ، لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ ، مخبّلين في تصرفاتهم ، مارجين في كل حياتهم ، لا يعيشون إلا مرجتها دون بهجتها مهما ادعوها : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ...) (٢٠ : ١٢٤).
ومن هنا تأخذ الآيات دورها في تقريب الحق : إشارات إلى علمه تعالى وقدرته وحكمته ، ثم تقريب للبعيد من رجع عندهم : أنه رجع قريب ، وكما يشاهدونه حياتهم :
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ)؟
إلفات نظر عريق إلى علم الله وقدرته وحكمته ، التي تسهّل خروج الموتى :