وهي كلها تتصل بحبل الوريد : الحبل الأم الكائن في الحلقوم ، فإذا قطع انقطعت الحياة ، إذا فهو أقرب شيء إلى حياة الإنسان ، ولكن الله الخالق للحبل الوريد والإنسان ، هو أقرب اليه من حبل الوريد ، من نفسه ، من حياته ، من كيانه كله ـ : اليه
(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) :
وترى ان «إذ» هنا ظرف ل (نَحْنُ أَقْرَبُ ..)؟ والمتلقيان هما الملكان الحفيظان على الأعمال بأمر الله ، فكيف يكون تلقيهما ظرفا لا قريبة الله؟ ثم ولا ظرف لها خاصا ، فانها لزام ربوبيته ومربوبيتهم ، دون اختصاص لها بحال! ام ان تلقيهما يعلل اقربيته ب «إذ» على التعليل؟ والله اجل وأعلى ان يعلل اقربيته إلى خلقه ، بمن يؤمّره لتلقي الأعمال من خلقه ؛ وليس التلقي أيضا دليلا على أقربيته! ام إنها ظرف ل «اذكر» وأمثالها ، ولزامه ذكر الواو قبل اذكر ، وكما في أضرابه! وإن تقديره يخص ما لم يكن هناك مظروف آخر مذكور.
أقول : علّها ظرف لما سيقت لها الآيات من ذكرى الناكرين عن غفلتهم : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا ...) : يقال لهم هذا عند نفخ الصور بعد ما تلقى المتلقيان ام ماذا.
وترى من هما المتلقيان؟ وماذا يتلقيان؟ وكيف؟
.. إنهما من الحافظين علينا ، الكرام الكاتبين حفظ الأعمال عن الضياع : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ ، يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (٨٢ : ١١) وما حفظهم للأعمال والأقوال ام ماذا ، إلا تلقّيهم إياها أنفسها : أصوات الأقوال وصور الأعمال ، شاهدين لها في الدنيا وعليها في الأخرى ، وليست كتابة الأعمال تلقيا لها ، ولا ان فيها حجة على عامليها ، وانما هي هي أنفسها بحيث انهم سوف يرونها كما ألقوها وتلقاها حفظتها : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) (٩٩ : ٦).
هذا! ولكننا لسنا في تلك العجالة التي تقصر تلقي الأعمال بأمثال الأشرطة