فلا يحيد الحائد عن الحق إلا عن الموت وبواعثه ، لأنه ختام شهواته ، أو بداية عقوباته ، وأما المؤمن ، فالموت أنسه ، وهذه الحياة وحشته ، وعلى حد قول الإمام علي عليه السلام : «والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه» فإنه يأنس بالموت أنسه بالحياة ، حيث بعده حياة انيسة رفيقة إذ ينتقل إلى الرفيق الأعلى.
ثم ومن سكرة الموت ورحلته ، إلى رحلة الحشر وهولته :
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) علّها هي النفخة الثانية الإحياء ، أم هي والأولى الإماتة ، وقد يعبر عن نفخة الإحياء بنقر الناقور : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ..) (٧٤ : ٨) فالصور بوق لا كالأبواق ، كما ونفختها لا تشبه النفخات (١) فإنها صيحة الحق والصيحة بالحق في نداء من مكان قريب ، كما وتأتي من قريب : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ. يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) (٥ : ٤٢)(ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) : وعيد العذاب على الكافرين ، كما هو وعد الثواب للمؤمنين.
(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) : إنه لا بد لكل نفس هناك من سائق وشهيد ، إلا من هو شهيد على كل نفس ، سائق يسوقها إلى محشرها ، وشاهد يشهد عليها بعملها ، فإما إلى جنة أو إلى نار : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ..) (٣٩ : ٧١) (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً .. (٧٠). وأيا كان ف (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) (٧٥ : ٣٠) سوقا إلى جزاءه العدل أو الفضل بربوبيته ، إلا أن آية (كُلُّ نَفْسٍ) سيقت لأهل النار.
وليس الشهيد إلا عند سوقهم فرادى ، للشهادة والحكم (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ ..) ومن ثم السائق ولا شهيد في سوقهم الجماعي زمرا : «وسيق .. وسيق .. زمرا».
__________________
(١) راجع سورة النبأ ج ٣٠ ص ٣٤.