هنا سائق واحد يسوق للمحاكمة عند الواحد الجبار ، فهل الشهيد أيضا واحد وهناك شهود من شاهديه القعيدين ، ومن نبيّه .. ومن أرضه وفضاءها! علّها تعني هنا شاهد الشمال ، لأنها تعني أصحاب الشمال ، فليس لهم يمين حتى يشهد لهم قعيد اليمين أو شاهد اليمين ، فليس لأصحاب اليمين شمال حتى يشهد عليهم قعيد الشمال.
أو أن «شهيد» هنا تعني جنس الشهيد ، الشامل لسائر الشهداء ، كما يشمل قعيدي المتوسطين بين أصحاب الشمال وأصحاب اليمين ، فكل يتلقى ما يلقى من صالح وطالح.
ترى وبعد لقيا الشهادة لأصحاب الشمال ، ماذا يرون ، وماذا يسمعون؟ إنها كلمة النبهة القارعة :
(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)
آية فريدة غرة ، تنبه الغافلين الشاردين الذين هم كانوا في غرة ، فما هو «هذا» الذي كانوا منه في غفلة ، فكشف الله عنهم يومذاك غطاء الغفلة؟.
في الحياة الدنيا أغطية تغفل الإنسان عن الآخرة ، وعن ملكوت أعماله وحقائقها ، وعن شهادات الشهود الذين يتلقون تلك الأعمال ، فطوع الهوى ، والإعراض عن الهدى تغطي عنهم وتغطيهم عن الحقائق الغيب ، الواقعة يوم الدنيا ، الظاهرة لمن ابصر بها ، الخفية لمن أبصر إليها : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٣٠ : ٧).
ان مثلث الغطاء في الحياة الدنيا ، ليس إلا عن الواقع فيها ، وإلا فلا غفلة ولا غطاء عن غير الواقع فيها ، مهما وقع بعدها ، فليكن واقعا فيها حتى تصدق الغطاء ، وترى الواقعة الآخرة واقعة في الدنيا ، حتى تصدق فيها الغطاء والغفلة عنها؟ حقا إنها واقعة بإحياء الموتى فيها فتصبح أحياء ترى كما مضى : (وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) : واقعة بآياتها الشواهد.