وأما شهادات الشهود يوم الدنيا وإلقاءها في الاخرى ، فهي من الغيب ، والمتقون يؤمنون بالغيب ، فيؤمنون بأخبار الغيب ، وهناك الشاشات التلفزيونية وسائر المصورات ومسجلات الأصوات ، هي شهود صدق تصدق الشهود الإلهية وأحرى.
وهناك حقائق الأعمال كائنة ظاهرة للبصائر ، مهما خفيت عن الأبصار ، بصائر مشرقة نافذة حديدة بنور اليقين ، تدرك ما اخبر به الله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) نار لا ترى هنا إلا بنور ، ثم يراه هناك من لم يجعل الله له من نور.
ان المهم هنا ألا يصبح الإنسان غافلا عن الاخرى وشهودها ، وحقيقة الأعمال المشهود بها ، فلا يكون في غطاء الغفلة عن «هذا» المثلث ؛ لا سيما الزاوية «الاخرى» ك (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) (١٨ : ١٠١) ذلك! وإن لم يكونوا في غطاء الكفر والتكذيب والنكران ، فما فائدة التصديق علما ما لم تعتقد؟ أو العقيدة ما لم تتذكر ، وإن كان مصب آية الغطاء غطاء النكران.
وكما الغطاء دركات أسفلها الجحود ، كذلك الكشف درجات أعلاها الشهود ، ولحد : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» كما عن علي أمير المؤمنين (ع)!
فهناك في الاخرى تكشف أغطية الكفر ، فالكافر يرى الحق كما المؤمن ، فتزول عنه اعتراضات الشكوك ، ومشبهات الأمور ، فيصدق بما كذب ، ويقر بما جحد ، ويصبح كأنه نفّذ بصره بعد وقوف ، وأحدّه بعد كلال ، ولكنها له حسرة ونكسة ، وللمؤمن جرة ورحمة ، كشف يشمل أهل الحشر أجمع إلا من لم تكن له أية غطاء :
وتكشف أغطية حق اليقين وعين اليقين ، لمن كان في غطاء عنهما ، وعلم اليقين لمن كان في شك ، فلا تبقى أية غطاء ، إلا غطاء ذات الله.