إن الأبصار البصائر هنا عليه كليله إلا من هدى الله فهي لهم نافذة حديدة ترى الحقائق الغيب ، ومن ثم في الأخرى تصبح الأبصار كلها حديدة نافذة ، لا تخفى عنها خافية (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ولكنما المؤمن يحشر ببصر حديد فلا جديد! ومهما جدّد له بصر فهو أنفذ وأقوى ، رحمة له ، إلا أن حديد الكافر في الأخرى له عذاب شديد! إذ كان عنها أعمى ، مهما يحشر أعمى : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٢٠ : ١٢٤) : أعمى البصر وحديد البصيرة.
فالغطاء المكشوف هنا هي عن البصيرة لا البصر ، كيف وهو فيه أعمى؟. إن هناك غطاء عام ، ليس للإنسان في تحصيله سبيل ، ولا هو مكلف في كشفه كسائر التكليف ، هي غطاء الحياة الدنيوية ، مهما كان الإنسان مؤمنا صالحا إلا من أخلصه الله ، وهي غطاء عن الذكر والمعرفة التامة ، وعن رؤية الحقائق كما هي ، فهي تكشف بالموت شيئا ما ، ثم تكشف في الآخرة تماما ، فتصبح الحقائق له مكشوفة الحجب اللهم إلا حجاب الذات الألوهية.
ومن ثم أغطية خاصة من كفر ونكران نتيجة التكذيب والعصيان وهي أسفل دركاتها ، كما آية الغطاء تعنيها ، ومن غفلة ونسيان فعصيان على دركاتها ، وهي سوى الأسفل ، والكل تكشف يوم يكشف عن ساق فيدعون إلى السجود فلا يستطيعون.
فكشف الغطاء للمؤمن نور وبهاء ، وبشرى وجلاء ، ولغير المؤمن نذارة وحسرة فابتلاء ، فأين كشف على كشف؟ وأين غطاء من غطاء؟.
(وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) : هو قرينه الشهيد القعيد عن شماله إذ لم يكن له يمين ، دون سائقه إذ ما هو له قرين ، ولا شيطانه إذ هو يلقى معه في النار ، فكيف يؤمر أن يلقيه في النار ، وهو العتيد : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) : فعقيد الشمال رقيب عتيد كما رقيب اليمين رقيب عتيد ،