فقرين الشمال يقول يوم الحشر المحاكمة : «هذا» الذي أشهد به من طالحات (ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) حاضر مهيأ ، دون حاجة إلى إحضار واعتاد : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ..) (٣ : ٣٠).
ومن ثم يصدر أمر الجبار بإلقاء المجرمين في النار ، جهنم يصلونها وبئس القرار :
(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ) : وترى من هما الملقيان هنا؟ أهما الشاهدان؟ ولا شغل هنا لشاهد اليمين! أم هما ملكان من زبانية النار؟ ولا شاهد له ولا سابقة ذكر! أم شاهدان من غير الملائكة من نبي وولي؟ فكذلك الأمر! أم هما قعيد اليسار : السائق والشهيد ، : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) علهما هما ، حيث الصيغة اللفظية ، والصياغة المعنوية ، تؤيدانه ، وقد يكون السائق هو شاهد اليمين وإن لم يكن له يمين ، كشاهد عدل لسلب اليمين ، ثم يؤمر هو وشاهد اليسار : «ألقيا ...»! أو أن السائق مؤمر للسوق غير شهيد.
ولأن الشهيد ـ في وجهة عامة ـ تشمل كل شهيد ، فأحرى أن يكون الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم شهيدا ومن يحذو حذوه ، إذا كان الملك الذين دونهم شهداء ، فليشمل «شهيد» ـ هنا ـ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومن ينحو منحاه ، وأما أعضاءه الشهود ، وفضاءه الشهيد ، فهما له حاضر عتيد ، لا حاجة إلى مجيئهما ، والأعضاء بأصحابها تلقى في العذاب الشديد ولا تلقي ، فإنما دور الشهادة ثم الإلقاء في النار لشهيد ملائكي وبشري.
(أَلْقِيا .. كُلَّ كَفَّارٍ). كثير الكفر والكفران «عنيد» كأنما العناد لزامه ، فلا حق إلا وهو له عنيد (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) : معنويا في هدي الناس ، وماديا في