(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً ..) : وصية عظيمة من الله بالوالدين ، فهناك الموصي هو الله ، والموصى اليه هو الإنسان ، والموصى له : الوالدان اللذان هما مجريا الخلق والتربية ، والموصى به : الإحسان بهما ، فيا لها من وصية عظيمة من الله العظيم ، لالتقاء آصرة الايمان بأسرة النسب في آصرة الوالدين ، تبنيا للحياة الجماعية من منطلقها الاوّل ، وكأنها من اصدق مصاديق : (رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) وبعد تكملة الايمان عقائديا وعمليا بالله ، ولأنهما اجرى مجاري الربوبية أن خلق الإنسان بهما ، فأحرى بهما أحرى مراتب الإحسان ، ودونما شرط أيا كان ، وانما كونهما والدين ، وكما الإنسان لا يصحب شرطا في دين الفطرة وشريعتها الا انه انسان : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ).
ثم الوصية لا تعني فقط الأمر الإيجاب ، او فرض الكتاب ، فلم يقل أمرنا ولا كتبنا ، وانما «وصينا» تدليلا على المدى البعيد العال من الله المتعال في هذا الأمر ، إذ ينبثق من اعماق فطرة الإنسان ، ثم ينطلق موكّدة منضبطة مبرمة من خالق الإنسان ، تحكيما لدين الفطرة فانها أمر تصاحبه الموعظة المؤكدة ، ومن ثم يضرب الى اعماق المجتمع متبنيا له كأفضل وأعلى ما يكون في بناء المجتمع السليم ، لإراحة الإنسان ، وازاحة المشاكل التي تحول بينه وبين رقيّه كإنسان.
«.. الإنسان» إنما الإنسان والإنسان فقط ، رغم شمول التكليف له وللجانّ واضرابهما من المكلفين ، لأن الإنسان هو الأصل في ذلك ، ومن ثم يشمل من سواه ، وانه فعلان من الأنس.
فأنسه وانسانيته يقتضيان الإحسان بالوالدين الذين يبذلان من عصارة حياتهما له ليحيى آمنا مرتاحا ، ما لا يبذله ايّ كان ممن تحسن إليه وتضحي له.
انها وصية للإنسان قائمة على أساس فطرته الانسانية ، دون حاجة الى غيرها