مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٤ : ٢٢).
ف (ما أَطْغَيْتُهُ) تعني : ما حملته على الطغوى إلزاما وتسييرا ، وإنما دعوته إليها تزيينا وتخييرا ، فهما إذا يختصمان ، فيرد أمر الجبار : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ) إذ لا يجوز الخصام عند الملك العلام ـ حال : (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) : للمضلين ألا يضلوا ، وللمضلين ألا يستضلوا ، فإذ أضل أولاء وضل هؤلاء فهما في العذاب مشتركان : (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ. فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ. فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ. فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) (٣٧ : ٣٣).
(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) والقول هنا يعني ـ فيما يعني ـ : كلمة العذاب : (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ).
إن تبدّل قول العذاب من الله ـ أيا كان ـ هو كثير ، فإن العبيد كثير ، والله هو العلي العلام الكبير ، فاليسير منه كثير ، ان ظلما وليس منه ، أو عدلا وفضلا وهما منه ، فلا يعني ـ إذا ـ نفي الظلم الكثير (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ) هنا ـ إثبات اليسير.
فلو لم يقدم الله قولا بالوعيد ثم عذب ، كان فيه ظلم كثير ، فإنه إغراء بالجهل ، فأخذ على غرة وجهالة! ولو لم يعذب بعد ما لا يقدم فهو ظلم كثير ، بالنسبة للعبيد الذين عاشوا التقوى بحرمان شهوات الهوى ، فالتسوية بين الأبرار والفجار ظلم كثير! ولو قدم قول الوعيد العدل ثم خالفه إلى مزيد فهو ظلم كثير! أم لو عذب الضالين دون المضلين ، أو المضلين دون الضالين فهو ظلم كثير! أم لو خالف قول الوعيد العدل إلى الجزاء غير الوفاق ـ أيا كان ـ فإنه ظلم كثير : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) لا في تقديم القول بالوعيد ، ولا في تحقيق الوعيد ، فهو قول عدل