ووعيد عدل ، دونما ظلم لا كثير ولا يسير!.
ومن القول المقدم بالوعيد : (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (٣٨ : ٨٥) فما يبدل هذا القول لدى الله ، فإنه يدخل كثيرا من الجن والإنس في الجحيم ، فما نصيب الجنة إلا قليل : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (٧ : ١٧٩) فالجحيم تملأ بهذا الكثير ثم تقول : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)؟ :
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) : حوار تحير العقول ، تمثل لنا تحقيق حق الوعيد ، لحدّ كأن جهنم تتحدث بما تكدس من أجساد المجرمين فوق بعضهم ركاما ، ويا له من مشهد رهيب!
فليس ملؤ جهنم أن يجتمع فيها أهلوها ماشين أو جالسين وقائمين أو نائمين ، وإنما (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) حتى تكدسهم على بعض وتركمهم مع بعض بما يركم الله : (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ.) (٨ : ٣٧).
فهم ـ إذا ـ ركام في النار ، في دركاتها كلها ، ليس لهم في سجن الجحيم مجال التجوال ، ولا أي مجال ، فإنها لا تزال (تَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)؟ وما مزيد المليء إلا ركاما هو الملؤ الأكثر ، فهنا التجاوب بين آيات المليء وآية المزيد ، إذ تفسرهما آيات الركام!.
ومن ثم نرى هناك على الضفة الأخرى جنة مزدلفة لأهلها المزدلفين إليها غير بعيد :
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) : وقرّبت الجنة للمتقين حال انها غير بعيد ، فهي على قربها لهم تزلف لهم تقريب التكريم التعظيم ، كيلا يتكلفوا طي مسافة إليها على قربها ، إذ تكلفوها يوم الدنيا فاقتربوا إليها بما يقربهم إلى الله زلفى.
(هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) : وعد حنون لكل إثم الأوبة :