الى القلب دنوا من سماعها وميلا إلى قائلها ، العائش كل مسموع فيه الذكرى ، الذي يتذكر من «ذلك» : الذكريات ، من مصارع الغابرين ، وبرهنات آفاقية وانفسية ام ماذا ، الآيات الذكريات المشهودة (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) فالذكرى لا تفعل فعلها في النفوس الا بقلوب حية واعية ، او آذان باسماع صاغية ، فمن يتركهما او يتغافل عنهما فانه من اصحاب السعير : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (٩٧ : ١٠).
ان السير النابه الهادف المقصود في آيات الله ، في الأرض بما فيها من آيات : تاريخية غابرة وجغرافية حاضرة ، إنه لمما يكوّن قلبا عاقلا واذنا سامعا : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢٢ : ٤٦) والقلوب العميانة المطبوع عليها لا تسمح للآذان بالسمع : (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (٧ : ١٠٠) ولكنما القلوب الضعيفة ، غير القادرة على العقل الكافي ، هي تتمدد بالسمع الملبّى الى كلمات الحق ، واما القلوب الواعية فقلما تحتاج الى إلقاء السمع الا الى ملقيات الذكر الوحي.
في «سورة الملك» يتقدم السمع ، لأنه الأقدم للبسطاء الساذجين ، والمتحرين عن الحق الناضجين (١) ، وهنا يتقدم القلب ـ وهو قلب الروح المنتهي اليه لباب العقل ـ لأنه الأقوم في تلقي الذكرى ، ومن ثم السمع ، ولكن لا كل سمع ، انما السمع الملقى بحرية وانطلاق ، ولكي يتلقى ما يسمعه بلباق ، سمع يلقى الى نبرات الذكريات بإنصات ووعي ، كأن صاحبه السمع كله ، او انه لا يشغل سمعه بشاغل غيره ، ثم يستخلص ما يسمعه بعقله النابه الى قلبه فيحيى بحياة طيبة.
__________________
(١) راجع ج ٢٩ ص ٣٠ ففيه تفصيل البحث عن السمع والعقل.