صلّى الله عليه وآله وسلّم ومشابهته ، فداوموا على ما داوم عليه السّلام من قيام الليل ، فالهجوع هو النوم ليلا ، وهم كانوا ينامون قليلا من الليل ، أيقاظا في جنح الليل والناس نيام قائمين في عبادة ربهم.
والليل هنا قد يكون جنسه ايضا فالمعني أنهم قليلا ما يتفق نومهم طول الليل ، وكثيرا ما يستيقظون بعض الليل في العبادة (١) وقد تنافيه (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) لمكان الجمع المحلى باللام ، الدال على كل الليالي ، اللهم إلا جمعا بين المعنيين : كانوا قليلا من الليالي ينامون ، او قليلا من كل ليلة ينامون ، مهما اختص بكل قلة فريق ، فهم كلهم متقون على درجاتهم.
(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فهل من ذنب وخطيئة يستغفرون؟ وهم قبلها قيام عابدون! ام من قصورهم فيما يحق لله دون تقصير ولا تقتير؟ وهذا استغفار السابقين واصحاب اليمين! ام دفعا عما يعتور الإنسان ـ اي انسان ـ من خطيئة او نسيان؟ فهذه عصمة إلهية! ام ومن ذنوب لا يخلو عنها إلا المخلصون المعصومون؟ فقد تحصل لبعضهم وهم متقون ، فان التقوى درجات كما الطغوى دركات.
ثم ترى ماذا في تخصيص الاستغفار بالأسحار ، اللهم إلا خيرا ليس في غير الأسحار ، ولان اكثرية النفوس الشريرة عندها نائمة والمتقون ساهرون ، مما يخلق جوّا روحانيا تتجلى فيه الدعاء اكثر من غيره ، وان أفضل الأعمال أحمزها وأشقها ، وهم يحرمون أنفسهم بالأسحار لذة النوم والاستقرار ، مستغفرين الرب الجبار ، عله يختصهم برحمة منه ورضوان وهو الرحيم.
(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) : وكما كانت أحوالهم مكرّسة في خدمة الله وعبادته ، كذلك أموالهم ، ففيها حق لأهله ، معلوم وغير معلوم :
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ١٢٢ عن تفسير القمى عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن هذه الآية ـ قال : كانوا أقل الليالي تفوتهم لا يقومون فيها.