حية لمن يبصر بها فيتبصر ، وهي ميتة جوفاء لمن يبصر إليها كحيوان ، لا يدرك ما وراءها من تدبير وإبداع ، وكثير هؤلاء الذين يمرون بالمعارض الالهية مغمضي الأبصار والبصائر (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ)(١٢ : ١٠٥) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٣٠ : ٧) فهم مهما كانوا علماء ، لا يفقهون من آيات الكون لغة إلا ما تدير لهم وتدبر حياة الحيونة بطنا وفرجا ، لأن لمسة اليقين لم تحي قلوبهم ، ولم تبث الحياة فيما حولهم.
ثم آية اخرى تدب على الأرض هي الآية الأنفسية (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ): إلى آيات الأرض وبها ، لتنفذوا منها الى معرفة إله الأنفس والآفاق ، الذي فطركم على معرفته ، وبصركم فيها (أَفَلا تُبْصِرُونَ)؟! وان كان الإبصار بالأنفس أقرب :
(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) إلا إذ حجبت بصيرته بغشاوات الأوهام ، فلو تعاونت بصيرة الإنسان وما يريه الرحمان من الآيات الآفاقية والأنفسية ، لكان في ذلك نبو للإنسان عال : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٤١ : ٥٣) فالأنفس هي الذوات الإنسانية قلبا وقالبا ، لا المقابلة للأجساد فحسب.
لقد أرانا الله تعالى آيات هنا وهناك قبل نزول القرآن ، وعنده ، وبه ، ثم يعدنا خيرا منذ نزول القرآن الى يوم القيامة انه : سيرينا آيات آفاقية وانفسية اخرى وصالا دون فصال ، ما عشنا على هذه البسيطة ، حتى يتبين لنا انها الحق ، اضافة الى المسبقة من آيات ، ما يدل على مواصلة الرحمة الالهية إلينا لو كنا نابهين! ففي تقدم العقل والعلم البشري تقدم ملموس للحصول على آيات جديدة تدلنا الى الحق اكثر مما مضى (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)؟