(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) رزقكم الحالي ليوم الدنيا ، ماديا بالأمطار والرياح وإشراق الشمس ، ومعنويا بما ينزل من وحي والهام ، ثم رزقكم المستقبل : (وَما تُوعَدُونَ) من جنة عرضها كعرض السماء والأرض ، وما فيها من رحمات ، ومن رضوان من الله وهو اكبر : جنة معنوية بعد المادية (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ). (١)
فالسماء هنا لا تعني جهة العلو المادية فحسب لكي يختص رزقها بها حالا او استقبالا ، بل والمعنوية ايضا وأحرى ، فهي ـ ككل ـ سماء خزائن الله عند الله ، التي تضم كل الكائنات : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١٥ : ٢٥) سواء أكان نزولا من الفضاء العالي كالأمطار والأنوار ام نزولا معنويا من سماء الربوبية دون أن تختص بجهة مكانية ، سماوية أو أرضية كالوحي والإلهام.
ومما نوعد هي الجنة التي عند سدرة المنتهى ، فوق السماء السابعة ، مما يدل على أن السماء المادية تشمل السبع وما فوقها من الجنة المأوى.
فكما ان الرزق منه مادي ومنه معنوي ، ثم منهما حالي واستقبالي ، كذلك السماء تشملها كلها وتشمل كل ما ينزله الله إلينا : من ذوات الجهات وسواها ، الماديات وسواها.
لا نقول : إن السماء حيثما تذكر تشملهما ، فان الآيات في خلق السماوات تختص بالمادية ، وانما استيحاء من عموم الرزق ، وظاهر اختصاصه هنا ككل بالسماء ، نقول هنا إنها تشملهما.
وترى ماذا يعني رفع اليدين بالدعاء إلى السماء وليس الله ساكن السماء وما كنها؟ ذلك .. لأنها موضع الرزق ، إن ماديا فأصله نازل من السماء وإن
__________________
(١) علل الشرايع باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) عن جده امير المؤمنين علي (ع) قال ابن سبا يا امير المؤمنين! أليس الله عز وجل في كل مكان؟ قال : بلى ـ قال فلم يرفع يديه الى السماء؟ فقال : او ما تقرأ (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) فمن اين تطلب الرزق الا من موضع الرزق وما وعد الله عز وجل السماء(نور الثقلين ٥ : ١٢٤).