الإضافة المحترمة أخيرا أن راغ (إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ)(فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (١١ : ٦٩) عجل ـ سمين ـ حنيذ! وهو يروغ للمجيء به الى أهله!.
فالروغ طلب بضرب من الاحتيال والتخفي ، مما يوحي كأنه لم يكن لدى أهله إلا عجل واحد ، أو إلا سمين واحد لا يرضون بذبحه بسهولة ، ولضيف غير معروف! يجيء به حنيذا : مشويا بين حجرين نظيفين ، يقربه كله إليهم ، وهو طعام عشرات ، وهم كانوا ثلاثة فيما يقال ، يكفيهم كتف من هذا العجل!.
فإلى هنا لا يظهر منه مخلفات من نكرانه لهم إلا في البداية في قوله : (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) اللهم إلا كل تجليل وتبجيل يستحقه كل ضيف عزيز معروف جليل ، إلى أن :
(فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً)(فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ..) (١١ : ٧٠) فالوجس هو الصوت الخفي ، والإيجاس إخفاء الصوت في النفس ، مما يدل أنه كان خوفا خفيا أو مشارفا كما تعنيه الوجل ، وإنما استشعر منهم الخوف ، إما لأن عدم الأكل من طعام المضيف ، ولحد لا تصل أيديهم اليه ، ينبئ عن نية شر وخيانة ، أو يلمح فيهم شيئا غريبا في نوعه ، فحتى لو كانوا شبعانين ، عليهم أن يمدوا أيديهم ليأكلوا ولو قليلا ، أو يسفروا عن عذرهم بعد تقريب الطعام إليهم ، فإذ لم تصل أيديهم اليه ، ولم يعتذروا ، إذا فحق لإبراهيم ـ وهو يعيش بين أعداء له كثير ـ أن يخافهم ، ولكنه أوجس منهم خيفته ، رعاية لهم ، إلا أن ملامح الوجه بطبيعة الحال تسفر عن الخيفة الموجسة ، مهما حاول الخائف في إيجاسه ، فلما عرف انهم عرفوا ما أوجسه ، بادر بإظهاره ، ولكي لا ينافقهم في واقعه ، وليظهروه على أمرهم ، حتى يعرف واجبه تجاههم بعد ما قام به من واجبه ، ف (قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) (١٥ : ٥٢) مصارحة بالحق ما أحلاها ، دون