إلى الله ، فالفرار عن الكون الفقير اللاشيء ، إلى المكوّن الغني الذي خلق كلّ شيء.
(مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) : ما كنا نعرفه ، وما عرفناه بالجهود العلمية ، وما نحن في سبيل معرفته ، وما لن نعرفه لاختصاص معرفته بمكونه : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) (٣٦ : ٣٦) : ما لا يعلمونه حالا ، أو ولا استقبالا ، لاستحالة أن يعلمه إلّا الله كالمادة الأمّ : المادة الأولية الفردة التي خلقت لا من شيء ، ومنها يخلق كلّ شيء ، فلا يعلمها إلا الخلاق العليم ، مهما علم الخلق عن مواليدها شيئا.
فالشيء ـ أيا كان ـ كيانه أنه زوجان ، في أقل تقدير ، شريكان في كونه وكيانه ، لولاهما أو أحدهما ، لم يكن هو شيئا قط ، أو ليس هو ذلك الشيء.
إن الشيء المادة كسائر المواد ، أو المادي كسائر الأرواح ، إنه ككلّ ودون استثناء ، محكوم بازدواجية الكون والكيان ، كيفما كان وأيا كان ، فلا تجد ، ومحال أن تجد : خلقا هو فرد كائن واقع دون قرين ، وإن كان في المادة الأم نفسها ، كما وأن الزوجية والتركّب والأبعاد لزام الكيان المادي ما دامت كائنة ، فإذا زالت عن الوجود زالت الزوجية كما تزول المادة نفسها ، وكما أنها توجد لأوّل وحلة مركبة الكيان.
ان ازدواجية كيان المادة قد تتبنّى كونها كأصل ، ولأوّل ظاهرة من مظاهرها كالمادة الأم ، وقد تتبناها كحالات غير أوّلية ، كالحالة الشخصية : موجبة أو سالبة ، كأجزاء للذرات ، ثم الذرية ، ثم الجزئية ، ثم العنصرية ، ثم العناصرية ، ولا بسيط مستحيل التجزؤ فيزيائيا هنا وهناك ، اللهم الّا المادة الأمّ بزوجيها ، فإن تجزئتها هي إعدامها ، كما أن إيجادها هو خلقها زوجين توأمين ، ثم وليس لكل من زوجية زوجان ، كما لا يمكن كون كلّ منهما بكيان مستقل عن زميله.