الإيمان ، رغم توفر أدلة الإيمان والإيقان ، فاليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية ، وهو سكون الفهم بعد ثبات الحكم ، فلقد ثبت الحكم بأدلته القاطعة على وجود الله ، ولكن لما يسكن الفهم بهذا الحكم ، ولما يجتاز العقل إلى القلب واللب ، فإدراك العقل شيء ويقين القلب شيء آخر ، هم بعاد عنه بما يستنفرون من حصوله ، ويعرقلون الطريق دون وصوله.
وإذ يثبت أن هناك ربا ولا بد له من وحي وخزائن رحمة فهم إذا بين طريقين ، ثانيهما :
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) :
فخزائن الرب معنوية ومادية ، ليست إلا عنده ، دون خلقه وحتى المرسلين : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) (٦ : ٥٠) (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) (٦٣ : ٧) (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١٥ : ٢١).
فإذ أنتم تتضايقون من الرسالة المحمدية وتضنون بها هل أن خزائن رحمة الله عندكم حتى ترزقوا النبوة من تشاؤون ، وتحرموها من تشاؤون ، وتعزلوا عنها من تشاؤون : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) (١٧ : ١٠٠) (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٤٣ : ٣٢) فكيف بالرسالة وهي الحياة العليا؟! فمن ذا الذي يدعي أنه فوق النبيين ، ووكيل او مثيل لرب العالمين! ولا يشرك في حكمه أحدا ، إلا أن يدعوا أنهم الغالبون على الله ، يحتلون خزائنه بقوة :
(أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) : فهل من أحد تدعي السيطرة على سلطان الله؟!.
أن يصارعه فيصرعه فيأخذ ملكه ويتصرف فيه كما يشاء!.
ومن ثم لا يبقى لهم الا دعوى الاستقلال في الوحي باستغلاله دون رسول :
(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ)