فليكن «ذو مرة» هو «صاحبكم» رغم الفصل بين الصفة والموصوف ، حيث الفصل هنا هو بقول فصل يذود عنه وصمات ، ثم يزوّده بخالص من نسمات وحيه من معلمه شديد القوى ، ثم يبدأ بأوصاف له وحالات تخلق له جوّ وحي المعراج ، بعد مقام (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) ، وأولى صفاته هنا أنه : «ذو مرة» : ذو قوة ، وكما وصف بها في نظيرتها : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ. وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ. وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ. وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (٨١ : ٢٤). (١) إنه لا بد من تدان معرفي بين المعلم والمتعلم حتى يتحقق التعليم كما يرام ، فإذ كان الله المعلم لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم شديد القوى ، فليكن هو أيضا ذا قوة تجعله قريبا إلى شديد القوى علميّا ومعرفيا ، ولكي يتلقى ما يلقى إليه تماما دون نقصان.
«صاحبكم ... ذو مرة : ذو قوة في عقله ورأيه ، ذو قوة في مروره إلى الآفاق ، وإلى الأفق المبين الأعلى ، فليكن طائر المعراج هنا مزوّدا بجناحين : قوة الطيران ، وقوة العقل والرأي ، وبهاتين القوتين المتينتين :
(فَاسْتَوى) : علمه شديد القوى ... «فاستوى» (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) :
إذا فاستواء صاحب المعراج يشمل الجانبين : الاستيلاء الروحي العلمي بما علّمه شديد القوى ، والاستيلاء في البنية الجسدانية لأنه ذو مرة : فتلة واستقامة في عقله وجسمه ، فمروره الجسداني والروحاني في عمق الفضاء إلى سدرة المنتهى وما فوقها من نتائج هذه الثنائية السامية الربانية الموحاة إليه ، المفاضة عليه ، أنه في رحلته الفضائية ، هذه ، المنقطعة النظير ، كان بين تجاذب : جذبة إلهية ، وانجذاب له ذاتي بما علمه الله ، وبما فتل جسمه كما فتل عقله ، لحدّ لم يصطدم
__________________
(١) القمي في تفسيره عن أبيه عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابن سنان قال قال ابو عبد الله (ع): «أول من سبق الى (بلى) رسول الله وذلك انه كان أقرب الخلق الى الله تعالى وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل (ع) لما أسري به الى السماء : تقدم يا محمد لقد وطأت موطئا لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل ..»