ثم يقابل هؤلاء الصالحين بجماعة طالحين عاشوا حياتهم كفرا بالله وكفرانا بالوالدين ، فحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم :
(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
.. الإنسان الذي سامح عن إنسانيته ، أن عزب ضميره وغرب عقله وهربت عاطفته ، وحتى بالنسبة لوالديه المؤمنين الذين يحذرانه الوعد الحق! هذا اللاإنسان ـ إذ عبر عنه ب «الذي» لا الإنسان ـ :
(.. قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ..) : كلمة تبرم إظهارا للتسخّط والتوجع ، لا لشيء إلا أنهما وعداه ـ بما وعد الله ـ : الخروج من قبره يوم الخروج ، تحذيرا له عن الكفر والفسوق ، حنانا عليه لما بعد الموت ، كما يحنّان له قبل الموت. (قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ..) تزجّرا منهما لمّا وعدا ، وزجرا لهما عمّا وعدا ، مقابلة الحسن بالسوء! رغم أن أفّه محرم لهما وحتى إذا كبرا وساءت أخلاقهما : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (١٧ : ٢٤) حتى وإذا كفرا وأمراه بالكفر : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ..) (٣١ : ١٥)!
فكيف إذا حسنت أخلاقهما وأحسنا إليك في الأولى والأخرى : أن وعداك الخروج للحياة الأخرى ، ليقفوك على حد العبودية في الأولى ، فهل لك أن تجابه هكذا إحسان من والديك بأسوء السوء؟ : بتأفف جارح وقح : (أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ)؟ ولا ريبة في وعد الخروج إلا استغرابك : (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) : أن لو كان الخروج حقا صادقا لخرج من القرون قبلي ولو