نبي مرسل ، فإنها من خصائص صاحب المعراج! ، وكما تتبنى سفرته الفضائية لمنتهاها حيث رأى من آيات ربه الكبرى :
(ثُمَّ دَنا) ان خرق كافة الحجب الظلمانية والنورانية ، بينه وبين ربه ، وخرق حجاب الصحبة بما سوى الله ، إذ عرج عنها بقالبه كما كان عارجا بقلبه ، فلم يبق هنالك أي حجاب اللهم الا حجاب نور الأنوار : نفسه المقدسة ، متحللا عما سواها واقعيا وباختياره ، حيث لا مجال لصحبة غير الله ، والانس بما سوى الله ، ومثاله في دنوه هذا :
(فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) فان الحليفين من العرب كانا إذا أرادا عقد الصفاء الخالصة خرجا بقوسيهما فألصقا بينهما ، يعنيان بذلك أن لا شيء هنا يفصل بينهما ، فهما متحدان في كل مقصد ومرمى.
وكما ان القوسين المتلاصقين يشكلان قابا وملتقى واحدا ، كذلك الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في دنوه هذا الى الله لصق قاب قوسه بقاب قوس ربه ، فتلاصق القوسان : قوس الوجوب وقوس الإمكان في قاب واحد ، لا يحول بينهما حائل من جانب الإمكان إلا عجزه عن اكتناه ذات الواجب ، ولا حائل من جانب الوجوب إلا حجاب ذات الألوهية الذي لن يرتفع ابدا ، حجابان في قاب واحد ، فهما إذا حجاب واحد ، ولم يبق هناك اي حجاب إلا هذا الذي لن يرتفع ، اللهم وإلا حجاب ذات النبي عليه السّلام وقد ارتفع ايضا إذ تدلى :
(فَتَدَلَّى) : بيني وبينك إني ينازعني فارفع بلطفك إني من البين إنه بعد أن دنى هكذا الى الله ، تدلى ايضا بالله فكان مثاله من القوسين :
(أَوْ أَدْنى) فقد انمحى قوس الإمكان ، وتدلى بقوس الرحمان ، فأصبح : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(١).
__________________
(١) ان الآية من اللف والنشر المرتب ، فكان قاب قوسين إذ دنى ، او ادنى إذ تدلى ، ف «او» هذه للترتيب ، لا الإبهام او التشكيك.