ربه الكبرى (١) ولو ان بقيت هذه الحالة التجردية في مقام «او ادنى» او وحتى في «دنى» لاشتغل عن الكون وعن رسالته وعن نفسه وقضى نحبه ، وهذا باب من المعرفة الإلهية لن يعرفها إلا صاحب المعراج ، وهي التي استدعاها موسى (ع) فأجيب (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) لم يكن في وسعه العروج الى الأفق الأعلى وهو موسى ، كما لا يتسع الجبل فوق ما يتحمل.
وفي هذه المرحلة النهائية من الزلفى الى الله ، اوحى اليه الله ما اوحى :
(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) : وحي خاص في وقت خاص وكما يروى عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم : «لي وقت مع الله لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل» (٢) «أوحى الى عبده ما اوحى بلا واسطة فيما بينه وبينه سرا الى قلبه لا يعلم به أحد سواه»(٣).
سر مستسر عمن سوى الله وسواه ، لم يوح الى احد من المرسلين ، ولا الكروبيين ، اللهم إلا إلى صاحب المعراج ، إلى قلب محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ومن ثمّ الى قلب محمدي ، الى قلوب الطاهرين من عترته ، الذين رباهم بتربيته ، وطهرهم الله كطهارته ، وأذهب عنهم الرجس اهل البيت كما أذهب عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ان هناك وحيا نطق به ، في قرآنه وسنته ، يحمله (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ
__________________
(١) علل الشرايع عن زين العابدين علي بن الحسين (ع) سئل عن الله جل جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال : تعالى عن ذلك ، قيل : فلم أسرى بنبيه (ص) الى السماء؟ قال : ليريه ملكوت السماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه ، قيل : فقول الله عز وجل : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ..) قال : ذلك رسول الله (ص) دنى من حجب النور فرأى من ملكوت السماوات ثم تدلى فنظر من تحته الى ملكوت الأرض حتى ظن انه في القرب من الأرض كقاب قوسين او أدنى.
أقول : ذيل الحديث مردود الى راويه او يؤول الى ما يناسب الدنو الى الله والتدلي بالله ، وعلّ منه ان ذلك الدنو والتدلي كشف له ملكوت السماوات والأرض كما كشف له عن المحجوب من غيب معرفة الله ، الممكن كشفه ـ تأمل.
(٢) تفسير روح البيان ج ٩ : ٢٢٠ عن الامام جعفر الصادق (ع).
(٣) تفسير روح البيان ج ٩ : ٢٢١ عن الامام جعفر الصادق (ع).