ظلمة وحجاب من الغمامة وحجاب من الماء» (١)
(ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)
إلى هنا كانت الرؤية المعراجية نصيب البصيرة والفؤاد ، و (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ثم نصيب البصر أنه رأى من آيات ربه الكبرى.
فالبصر ما زاغ : لم يمل عن جهة المبصر إلى غيره ميلا يدخل عليه به الاشتباه ، حتى يشك فيما رآه ، وما طغى : أن يجاوز المبصر ويرتفع عنه ، فيكون مخطئا لإدراكه ، ومتجاوزا لمحاذاته ، فلم يقصر البصر عن المرئي فيقع دونه ، ولم يزد عليه فيقع وراءه ، ولم يتجاوز الحد المحدود في عمله : أن يبصر الرب أو يحاول في إبصاره ، أو أن يتعدى بعض الآيات الكبرى إلى كلها ، وإنما (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) ف «من» توحي بالتبعيض ، كما وأن «ربه» يلمح بأنها الآيات الكبرى الربانية ، فالصيغة الجامعة هنا «فرأى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ببصره من آيات ربه الكبرى» (٢) كما رأى ببصيرته ربه سبحانه وتعالى.
وإذا كانت الآيات الآفاقية الكبرى مشمولة لما رآه صاحب المعراج ، فأحرى بالآيات الأنفسية : الكروبيين الكرام ، وأنبياء الله العظام وأولياءه : أن يكونوا ممن رآهم في المعراج ، وكما وردت بذلك كله أحاديثنا (٣).
__________________
(١) تفسير القمي بسند عن الصادق (ع) حديث المعراج الطويل ، فحجاب النور هو حجاب ذات الألوهية ، وحجاب الظلمة ظلمة المحدودية والإمكان فيهما كما في الكائنات كلها ، الا من دنى فتدلى ، وحجاب الماء والغمامة ، علهما حاجيات الحياة ، التي تناساها صاحب المعراج كما تناسى نفسه.
(٢) علل الشرايع للصدوق باسناده الى حبيب السجستاني عن أبي جعفر (ع) في حديث طويل ...
(٣) المصدر باسناده الى حفص بن غياث أو غيره قال سألت أبا عبد الله (ع) عن هذه الآية ـ قال : رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل ، له ستمائة جناح قد ملأ ما بين السماء والأرض ، واخرج مثله أبو الشيخ عن ابن مسعود (الدر المنثور ٦ : ١٢٥). أقول وهذه