مقبول ، فهما تحرضنا الآيات على التمسك بالعلم ، ولكنه ليس ليحصل دوما وفي كل شيء ، فليكتف بالظن المسنود إلى العلم ، والنابع عنه ، فانه اتباع للعلم ، كالأدلة والأصول ، غير المفيدة للعلم ، المستفادة من العلم : عقلا ونقلا : كتابا وسنة ، فهي داخلة في اتباع العلم ، خارجة عن الظن المرفوض.
ففي ساحات الحجاج لإبرام أمر أو نقضه : (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (٦ : ١٤٨) تنديدا باتباع ظن الهوى ، وان كان اعتقادا راجحا ، فضلا عن الشك والوهم ، بل وكذلك العلم الحاصل عن الهوى دون أصل وثيق أو هدى أو كتاب منير : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) (٣١ : ٢٠). (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٦ : ٤). «أن تطئوهم فتصيبكم معرة بغير علم» (٤٨ : ٢٥). (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) (٦ : ١٤٨). (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٦ : ٤٣) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) (٢٤ : ١٥).
فإنما المغني من الحق هو علم أو أثارة منه ، أو هدى أو كتاب منير ـ ليس إلّا.
فالعلم هنا ، لكونه قرن كتاب منير أو هدى ، هو الحاصل عن غير وحي ، علم وجداني أو عقلي أو حسّي ، ومن ثم ف «هدى» هذه ، هي وحي يوحى إلى صاحبه ، ف (كِتابٍ مُنِيرٍ) كتاب يحمل وحي الله ، فالأخير علم رواية صادقة قاطعة ، والأولان علم دراية ذاتية ، أو من وحي وهو أعلى منهما ، وأثارة من علم هي رواية تحمل أثرا من العلم ، مهما حصل منها علم أو دونه ، وهو ظنّ مسنود إلى علم أو كتاب منير.
فإنما الظن المرفوض ، الذي لا يغني عن الحق شيئا ، هو ظن الهوى كما مضى ، وظن الجاهلية : (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) (٣ : ١٥٤) ظن (الفرقان ـ م ٢٨)