لا يستند إلى علم أو أثارة منه ولا هدى ولا كتاب منير ، وإنما إلى هوى جاهلية ، مهما كانت دركاته ودركاتها ، فقد يكون علما كما يخيل ، أو اعتقادا راجحا أو شكا أو وهما ، وتشملها كلها صيغة الظن ، تعني الوهم ، إذ لا سناد لها كلها إلّا هوى جاهلية ، مهما زينتها بما يخيل إلى صاحبها أنها علم! ولكنها بدركاتها لا تغني من الحق شيئا (١).
كما وان للأربعة المسبقة من منابع العلم والظن الحق ، درجات ، فمنها ما تغني من الحق كلّ شيء ، كالعلم الخالص المصيب ، وهدى الوحي ، ثم نصوص الكتاب المنير ، الحامل للوحي ، وظواهرها المناهضة للنص ، فإنها تصيب ولا تخطأ ، فهي تغني من الحق كل شيء.
ومنها ما تغني من الحق بعض الشيء ، كالظن الحاصل من أثارة من علم ، من رواية تحمل الوحي وعليها أثره ، وهو موافقتها له وعدم مخالفتها إياه ، كأخبار الآحاد ، التي لا تنافي الكتاب والسنة القطعية ، وتوافقهما اجمالا.
وكظواهر الكتاب ، والسنة القطعية ، فيما تختلف فيها الأنظار ، وبعد تثبّت شامل ، واجتهاد كامل ، فإنها قد تفيد العلم ، وقد لا تفيد إلّا الظن ، ومن هنا يأتي اختلاف الفتاوى ، مهما كانت الأنظار ثاقبة ، والأفكار صائبة ، فإنها ليست وحي مباشرة ، أو نصا قاطعا.
فهذه الظنون النابعة عن ظاهر علم ، أو أثارة من علم ، إنها ليست مرفوضة ، لأنها تنبع عن هدى ، دون جهل أو هوى ، والآيات المنددة باتباع الظن ، الآمرة باقتفاء العلم ، الناهية عن اقتفاء غير العلم ، لا تعني إلّا التحرز عما يحصل عن جهل أو هوى ، فالظن الحاصل عن علم أو هدى ، هو علم وفي حساب العلم :
__________________
(١) كمن يتقولون «ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ» ـ فيرد عليهم «ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» (٤٥ : ٢٤) حيث اعتبر علمهم المدعى ظنا ووهما ـ مهما كان علما عندهم ـ إذ لا يستند الا الى الوهم.