(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (١٧ : ٣٦).
ثم الظن قد يكون ظن القلب ، النابع عن علم من العقل ، المتجاوب مع العمل ، فهذا الظن أفضل من العلم غير المتجاوب مع العمل ، غير الواصل الى القلب : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ. الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٢ : ٤٦) ، فترى كثيرا من العالمين بعقولهم غير خاشعين ، فالخشوع حالة قلبية لا تحصل إلّا بعلم عقلي ممارس عمليّا ، ولكي يتجاوبا في اعتقاد راجح قلبي.
ومنه : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٦٩ : ٢٠) (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) (٧٢ : ١٢) (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) (٢ : ٢٤٩) ، فإنها علم كلّها.
وأما الظن ، بمعنى الاعتقاد الراجح العقلي ـ كما مضى ـ فهو ممدوح إذا لم يكن عن جهل أو هوى ، مهما لم يغن عن الحق كل شيء في أصول الدين وما ضاهاها ، إلّا أنه في طريق الحق ، فممدوح في هذه السبيل حتى يتحقق العلم فيغني من الحق كل شيء ، حيث الحق لا يحصل ، أو قليلا ما يحصل ، دون تدرج من اعتقاد راجح إلى أرجح وإلى جزم.
وأما الأحكام ، فلا سبيل للجزم بها إلّا قليلا من سبيل علم أو اثارة من علم أو كتاب منير ، وكثيرا ما يحصل الظن كما في معظم الأدلة والأمارات ، من رواية أو ظاهر أم ماذا ، وكثيرا ما لا يحصل حتى الظن كالأصول ، المضاهية للأمارات وسواها (١).
__________________
(١) كالاستصحاب وقاعدة الاشتغال والفراغ ، فانها لا تفيد الظن الا قليلا وان كانت تشبه الأمارات ، وكقاعدة الطهارة وأمثالها التي وضعت للخروج من موارد الشك بحجة وضابطة ، ـ