كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) كأنهم متاع للنار هي تشتريه ، وكما يجاء بجهنم (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) (٨٩ : ٢٣) وتعرض هي أيضا للكافرين : (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ) : (١٨ : ١٠٠) فانها أيضا متاع للكافرين هم مشتروها. فبعد أن كملت المعارضة تكمل المعاملة المخالطة ، دون مماكثة أو مماكسة ، إذ زالت الموانع من الجانبين المتاعين (١) بتمام العرض مع بعض وكمال الملائمة ، حيث الطينة السجينية لا تلائم إلا السجين ، فالنار لا تشتري وتحرق إلا الكفار كما الكفار لا يشترون إلا النار (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ)!.
عرض وعرض ولكن دون اي خفاء في أي منهما كمتاع ، فأنتم (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) (٦٩ : ١٨) عرضا لصوركم بسيركم وأعمالكم وأقوالكم ، لا تخفى خافية من سيئة ظاهرة أو باطنة ، وأما جهنم (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) (١٨ : ١٠٠) : حقيقيا لا تخفى منها خافية ، فلا مباغتة هنا وهناك ولا مباغتة (يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ) (٤٦ : ٣٤)؟ (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ..) (٤٢ : ٤٥).
فلما تمت المعارضة الحجة الذاتية في المتاعين المعروضين ، حقت كلمة العذاب ، وبعد مصارحة الحجة من رب العالمين :
(أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها ..)
.. (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) (٤٠ : ٦٤) : طيبات خلقت لكم وأحلت لتكسبوا بها حسنات ، وتنموها لعقبى الحياة ، ولكنكم اذهبتموها في دنيا الحياة ، مستمتعين بها في الشهوات ، مستغلين إياها للموبقات ، فلم تبق لكم ـ إذا ـ طيبات ، وإنما خبيثات نتنات ، اللهم الا من تمتع
__________________
(١) العرض هو اظهار لعدم المانع من تلبس شيء بشيء.