التي يجزاها صاحبها ـ فيما يجزى ـ الجزاء الوفي او دونه ، فان الأوفى فيها ظلم ، بخلافه في الحسنات فانه فضل.
و «ثم» علها اشارة الى التراخي بين الجزاء في الأخرى ، عن البرزخ والاولى ، طالما رؤية السعى كذلك من جزاءه.
(وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) وكما أن منه المبتدء ، فهو المنتهى في المهمات والملمات ، واليه الرجعى في كل القضيات ، لا يملك معه أحد شيئا إلا باذنه.
كما (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) في التفكير والاكتناه ، فكل شيء يجوز فيه التفكير علك تعرفه بكنهه ، او قدر ما تحاول ، إلا الله ، فلا تنفعك عميقات التفكير في ذاته وصفاته (١) إلا حيرة وضلالة وبهوة ، وكما يروى عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : «تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فانكم لن تقدروه» (٢) «... فتهلكوا» (٣).
(وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) :
ان هذا النبأ وما قبله وبعده ـ وهي إحدى عشر نبأ ـ كلها مما نبئ بها في صحف ابراهيم وموسى ، ذات صلة قريبة ام بعيدة بدحض الوهم المسبق ممن يزكي نفسه ويلقي وزره على غيره ، ويتولى عما يتوجب عليه.
فالإضحاك والإبكاء هما ـ مبدئيا ـ من الله ، فقد خلق ما منه يضحك او
__________________
(١) التوحيد للصدوق عن زرارة قال قلت لابي جعفر (ع) : ان الناس قبلنا قد أكثروا في الصنعة فما تقول؟ فقال : مكروه ، اما تسمع الله عز وجل يقول : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) ،
(٢) الدر المنثور ٦ : ١٣٠ أخرجه ابو الشيخ عن ابن عباس قال : مر النبي (ص) على قوم يتفكرون في الله فقال : ...
(٣) «أخرجه ابو الشيخ عن أبي ذر قال قال رسول الله (ص) تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فتهلكوا» أقول : وفيه أحاديث كثيرة.