وبما أن الأزف هو الدنوّ القريب ، فالقيامة الكبرى الموصوفة بالآزفة قريبة إلينا لوقت ضيق ، قربا نسبيا للخلائق منذ نزول القرآن ، فليكن الزمن ماضيا أكثره الكثير ، وباقيا أقله القليل ، وكما برزت أشراط من الساعة ، ومنها البعثة المحمدية صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ومنها انشقاق القمر في زمنه ، وكمعجزة له : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (٥٤ : ٢).
وفي أزف الآزفة إيحاء إلى قرب لها مضاعف ، فإنها : قرب القريبة ، كانت قريبة فزادها الله قربا ، أو أن وصفها ب «الآزفة» إيحاء بأنها (آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) ـ وكل آت قريب ـ وعلّهما معا معنيان وهو جمع قريب.
ثم وهذا القرب لا يعني سنة أو عشرا أو ألفا وآلاف ، لكي يستغرب : كيف أزفت قبل أربعة عشر قرنا ولمّا!! ، وإنما قرب نسبي قياسا إلى مجموعة الزمن ، منذ خلق العالم إلى قيام القيامة ، أو منذ خلق الإنسان أيا كان ، أو هذا الإنسان ، فحين نزول القرآن أزفت الآزفة قربا ، واقتربت كاسحة جارفة مكشوفة :
(لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) نفس كاشفة (١) ، على انوثة التاء ، ومبالغ في الكشف على مبالغتها كالعلّامة ، لا كاشفة كشف الظهور والجلاء ، ف :
(لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) (٧ : ١٨٧) ولا كشف الغطاء عما قدمت أيدينا : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٥٠ : ٢٢) ولا كشف البلاء : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) (٤٤ : ١٢).
فكشف الجلاء والغطاء والبلاء ليست هناك إلّا لله ، فيكشف السوء هناك
__________________
(١) ويجوز اطلاق النفس على الله : «تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ» واين نفس من نفس ، ولا يقصد منها هنا الا الذات.
(الفرقان ـ م ٣٠)