زيادات خالدات ، وميزات بارزات ، تستحكم فيها عرى النبوات وقواعد البشارات والنذارات ، كأنه البشير النذير لا سواه : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) (١٥ : ٨٩) (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (٢٥ : ١).
وقد تعني الأولى فيما تعني هنا كل من سوى محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم من الرسل ، فهو رسول آخر الزمن وهم لأول الزمن الممتد من أوّل النبيين الى المسيح (ع) ف «هذا» محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم (نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) من حيث أصل النذارة لا درجة الرسالة والنذارة ، فليس بدعا من الرسل والنذر.
وقد تعني الأولى ـ النذارة ـ في الذر الأوّل (١) ، إذ أخذ الله فيه ميثاق عباده على الايمان به (٢) وإذ أخذ الميثاق من أنبيائه (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ..) فمحمد في الميثاق الأوّل كان من النذر ، دون أن يكون بدعا من الرسل ، وفي الميثاق الثاني كان نذيرا ورسولا للرسل (٣).
فهو أولى النذر وأولاهم زمنا ـ أم ماذا ـ في الذر ، ومكانة طوال الزمن ، فهو رسول الزمن ، وفي آخر الزمن ، تمتد رسالته ونذارته إلى أن :
(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ. لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) :
ـ (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) (٤٠ : ١٨).
__________________
(١) في تفسير القمي باسناده إلى أبي عبد الله (ع) في الاية قال : ان الله تبارك وتعالى لما ذرأ الخلق في الذر الاول أقامهم صفوفا قدامه ، وبعث الله محمدا (ص) حيث دعاهم ، فآمن به قوم وأنكره قوم ، فقال الله عز وجل : (هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) يعني به محمدا (ص) حيث دعاهم الى الله عز وجل في الذر الاول ، وروى ذيله في بصائر الدرجات عنه (ع).
(٢) ستجد تفصيل البحث حول الذر في آية الذر العام(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ...).
(٣) كما تدل عليه الآية : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ : أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ).