هذا ، وكما ليس في النذر إغناء ، حتى فيما يستجيب المنذرون ، فإنما هو توفيق الله ، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، لولاه لم تكف النذر ولم يستجب المنذرون : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٢٨ : ٥٦) إلى صراط مستقيم.
فعلى الله الحجة البالغة ، وعلى رسول الله قول بليغ بآيات بليغة ، فإذ لم تنفع هذه وتلك ، إذا فالإعراض :
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ).
تول عنهم في ذلك اليوم العسيب ، لا يوم الدنيا إلّا عند الإياس القاطع عن خيرهم : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (٤ : ٦٣). إعراضا توليا عن أذاهم ومقابلتهم بالمثل ، وتوليا إياهم في عظتهم وقولك في أنفسهم قولا بليغا ، فإذا يئست عنهم فاتركهم في طغيانهم يعمهون (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ).
أو «تول عنهم» الى «يوم ..» فما عليك بعد إعراضهم بلاغ بعد الذي عانيت في بلاغك ، وعلّه أقرب من توليه يوم يدع الداع ، فإنه حاصل يومه دون أمر أو محاولة ، اللهم إلّا توليا عن شفاعتهم ، فإذ لم يسمعوا الى الدعوة يوم الدنيا ، لم تنفعهم الشفاعة يوم الدين.
أو «تولّ عنهم» دنيا وعقبى ، إذ انقطعت الصلة بينك وبينهم : صلة الدعوة الواجبة هنا إذ أعرضوا ، وصلة الشفاعة هناك إذ لا تنفعهم ، والجمع هذا أجمل لأنه أشمل ، وفصل «يوم يدع» عن «تولّ» لا يحتمل ، فإنه غير فصيح ولا صحيح.
ثم ترى من هو الداع يومه وما هو الشيء النكر؟ .. الداعي هنا لعلّه الله ، أو ومن يدعو بإذنه ، داع متّبع في دعواه : (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (٢٠ : ١٠٨)(مُهْطِعِينَ