كلها دون استعصاء. (١) فاستحالت في هذه التفجرة كلها عيونا : فأصبحت عيونا بتمامها (فَالْتَقَى الْماءُ) : اختلط ماء السماء المنهمر ، بماء الأرض المنفجر ، التقيا فوق الأرض (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) : التقاء عال ، مسيطر على المغرقين (عَلى أَمْرٍ) من الله (قَدْ قُدِرَ) على قدره دون فوضى ، وانما بحسبان ، دون زيادة ولا نقصان ، تقدير إلهي محسوب ومقصود ، وليس بسبب اجتماع الكواكب السبعة حول برج مائي ، حسب السنة المعتادة ، فصادف غرقهم ، وانما قدر إلهي أن يلتقي الماء آن ، وقد خلف طوفانا عم الأرض وطمّ ، فعنده تم أمر الله (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١١ : ٤٤)
فلو كان ذلك الالتقاء فوضى لما أبقى أحدا ، ولانجرفت الأرض الى المحو الكامل ، ولكنه (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) ومنه نجاة نوح بجنب غرق الكافرين :
(وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ. تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ)
ترى ما الذي ينجي نوحا والمؤمنين معه من هذه الورطة الغامرة؟ هذه التي أغرقت الأرض بجبالها وما عليها وحتى أعلى الجبال ، التي علّها تعصم من أمر الله! : (قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) (١١ : ٤٣) فهل المنجي من هذه المهلكة هي سفينة مما تصنعها أيدي إنسانها ، ثم ويصبح وهو الربان؟ كلّا! إنها سفينة مصنوعة بيد رسول الله وبأعين الله ووحيه : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) (١١ : ٣٧) ثم وربانها هو رب العالمين (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) : أعين القدرة والرعاية الإلهية (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) (١١ : ٤٢) وإلّا فما قيمة (ذاتِ أَلْواحٍ
__________________
(١) رغم ما تروى من روآيات في استعصاء ماء المر والكبريت والملح ـ انها كانت حلوة فاستعصت فجعلها الله مالحة او مرة ام ما ذا؟ فهذه الروآيات خلاف الواقع من وجود هذه المياه قبل الطوفان ، وخلاف عموم القدرة الالهية النافذة في كل شيء وخلاف الآيات الدالات على خضوع كل شيء له ، فتأول او تطرح ـ راجع نور الثقلين ٥ : ١٧٨