(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
يسرناه عبر القصص والأمثال ، وعبر الحجج البالغة والبراهين الدامغة ، عبر صنوف العبر ، وعبر كل ما تتقلبه الفطر والعقول والفكر.
هذا وكما نرى القرآن يسر التناول والإدراك ، ولحدّ الاعجاز كما في سائر جوانبه اللفظية والمعنوية ، وما عسر اكتناه معانيه ، واقتصاء مغازيه إلّا لأن فيه مجامع العلوم الربانية ، الممكن نزولها إلى الخليقة مدى القرون والأجيال ، رغم يسره في تعبيره ونضده في عبيره ، فمهما كان التعبير يسرا لم يكن إلّا تيسيرا لادراك المعاني الغامضة ، والأضواء الوامضة ، دون أن يجعلها سطحية سوقية ساذجة.
انه تيسير للذكر ، لمن بامكانه الذكر ، لمن لم يغرب عقله ، ولم يعزب ضميره وان كان لدا : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (١٩ : ٩٨) لعلهم يتذكرون (٤٤ : ٨٨) فإنه يأخذ بمسامع الآذان ، ومن ثم بأزمة القلوب حيث يتلوه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في الأنفس : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (٤ : ٦٣) : يبلغ أعماق القلب (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
فلا سبيل لمن له مراس بلغة القرآن أن يعتذر بغموضه في أعماقه ورموزه ، ان لم يتذكره ، فكل من يفهم هذه اللغة يتذكر من القرآن قدر مجهوده ، ولا اقل تذكّر العظة ، وإن لم يبلغ مبالغ الأغوار في علومه وحقوقه ، طالما السبيل إليها مسلوكة لمن يواصل السير مجهوده ، فإنه معلم لمن يتعلم ، وواعظ لمن يتعظ ، وقاصد لمن يقصده ، وحصد لمن يحصده ، وراصد لمن يرصده ، وفيه ما يتطلبه أي طالب إلّا الباطل.
(كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ)؟
انهم عاد الأولى وهم قوم هود (ع) كذبوه شر تكذيب ، رغم ما أنذرهم