او الأوامر : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٣٣ : ٣٨) حتى ولو كان ماء من السماء : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) (٢٣ : ١٨) ف (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) :
قدر في كل شيء بحساب الله في خلقه وأمره دون فوضى ولا جهالة ، قدر لا يقدر عليه إلا الله ، مهما قدره خلق من الله بما أقدره الله علما وعرفانا ، وكما في تقدم العلوم البشرية ظهور قدر من قدر الله حسب القدرة البشرية ، يزيدها علما وإيقانا ان الكون بعجلته صنع يد قديرة عليمة واحدة : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)؟.
ثم وقدر الشيء هو الحد الذي لا يتجاوزه أو ينقصه ، من هندسة الكون ، ومن القضاء والقدر ، اللذين لا يتنافيان واختيار الإنسان فيما يثاب به أو يعاقب عليه ، فلقد قدر الله للإنسان فما قدر ، أن يكون شيء من أفعاله باختياره ، كما قدر له أن يكون شيء آخر من أفعاله دون اختياره ، والاختيارية من أفعال الإنسان وإن كانت ـ في وجه ـ من أفعال الله أيضا ، ولكنه لا يسيره إليها دون اختياره ـ ف «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين» لا هو مفوض في أفعاله بمعزل عن الإرادة الإلهية ، ولا هو مجبور فيها بمعزل عن اختياره نفسه ، وإنما له اختيار في هذه الأفعال قليلا أو كثيرا ، ما يجعله مختارا ، ولو بجزء من مئات الأجزاء ، أو مقدمة من مئات المقدمات ، فالاختيار بين درجات ودركات ، والتفويض والإجبار كل على سواء دون درجات أو دركات ، وليعرف هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون ، ان فعل الله ليس فوضى عشوائية عمياء ، وإنما بقدر وحكمة ، وبعلم ومصلحة ترجع لصالح الخلق والخلق فقط ، فليس الله هو المستفيد ، وإنما هو المفيد في كل فعل وبكل قدر : قدر يحدّد حقيقته وصفته ، زمانه ومكانه ، ومن ثم رباط بسائر الكون وتأثيره فيه وتأثره به ، ولو أردنا تفصيل القدر حسب ما وصل إليه علم البشر وهو نقطة من البحر ، لكلّفنا موسوعة