آية التمكين هذه توحي أن عادا كانوا أمكن من هؤلاء واسمع وابصر وافأد ، ولأنهم كانوا يجحدون بآيات الله ويستهزءون ما أغنت عنهم ما فضلوا به من مكنة السمع والأبصار والأفئدة وسواها ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ، فأولى لهم أولاء : قوم الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ألا تغني عنهم مكنتهم وهي أضعف واقل قدرا ، فما هي مكنتهم الأقوى؟ وما هي قوتهم في الثلاثة الاخرى؟
انهم ـ مع الآخرين المهلكين ـ كانوا احسن أثاثا ورءيا : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً)(١) (١٩ : ٧٣) وأشد قوة وآثارا : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) (٤٠ : ٢١).
ولأن عادا ألعن حماقى الطغيان فليكونوا هم من أشدهم قوة وآثارا في الأرض ، وأحسنهم أثاثا ورءيا ، فأشدهم عذابا في الآخرة والأولى.
هنا نتبين ان «إن» تنفي عن الحاضرين زمن وحي القرآن المكنة التي كانت عند عاد ، فقولة من قال : انها زائدة ، فارغة زائدة ، إذ تنافي بلاغه القرآن وفصاحته ، ولا تلائم الآيات الاخرى التي تؤكد أن عادا كانوا أشد وأقوى ، على أن المساواة في المكنة بين الغابرين والحاضرين لا تفيدهم عبرة.
ثم المكنة الأشد في عاد تعني القوى العقلية والعلمية والجسمية : (أَشَدَّ قُوَّةً) وقوى الجمال والمال والأثاث : (أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) ومن ثم الآثار أية آثار : (أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ).
ولعل آثار بعلبك من تلكم الآثار ، التي تحدّث عن آصارهم في حمل هذه الآثار : فكم من ضحايا رضخوا بدمائهم حمل هذه الصخور الضخمة ، وكم من
__________________
(١) الرءي هو الجمال والمنظر الحسن كما عن الامام الباقر (ع).