ثم النفر من الجن هنا هم النفر الذين فصّلت نفرهم سورة الجن : انزعاجا من الجو الطائش الفوضى إلى أمان وحي القرآن ، فلم يكن مصادفة عابرة ، وانما صرفا من الله لهم مقصودا ، ولأنهم كانوا من أصفى الأصفياء بين الجن ، وإلا لم يصرفوا لحمل رسالة القرآن من الرسول إلى قومهم ، دون سواهم.
لقد صرفوا إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقرأ القرآن في (حجون) بمكة وكما يروى عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم : (بت الليلة أقرأ على الجن رفقا بالحجون) (١) دون أن ينصرف هو صلّى الله عليه وآله وسلّم إليهم رغم ما قد يروى (٢) حيث (إِذْ صَرَفْنا) دون (صرفت)!.
وترى كم عدد المصروفين من نفر الجن ـ علما بأن النفر لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة ـ؟ انهم جماعة من رجال الجن يمكنهم النفر لتلقّي هذه الرسالة السامية ، وليرجعوا إلى قومهم منذرين ، وبما أن النفر يضمّن معنى الجهاد ، فليكن في صرفهم إلى الرسول جهاد ، مصروفين إليه ومنصرفين عنه ، وهل تكفي ثلاثة واضرابها لذلك النفر الجهاد ، وضد الجن الكافرين؟ لعله وبنصر الله! ولكنما الحال تقتضي أن يكونوا أكثر عدد تحملهم لغة «النفر» وهم تسعة أنفار ،
__________________
(١). الدر المنثور ٦ : ٤٤ ـ أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود (رض) قال سمعت رسول الله (ص) يقول : .. وأخرج ابن مردويه في الدلائل والبيهقي عنه انه سئل اين قرء رسول الله (ص) على الجن فقال : «قرأ عليهم بشعب يقال له الحجون».
أقول : وأنا أفسر هذه الآيات في شعب الحجون بمكة المكرمة حيث الآن بيتي ، بمقربة مسجد الجن ، وقد يروى عن علي عليه السلام وابن مسعود وابن عباس انه بطن نخلة ، وعن كعب الأحبار انهم انصرفوا من بطن نخلة الى قومهم منذرين فخرجوا بعد وافدين إلى رسول الله (ص) فانتهوا الى الحجون ، مما يدل على انهما شعب واحد ياسمين اشهرهما الحجون كما هو الآن «شعب الحجون».
(٢) الدر المنثور ٦ : ٤٤ ـ اخرج عبد بن حميد واحمد ومسلم والترمذي عن علقمة في حديث عن ابن مسعود (رض) انه (ص) قال : اتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن ..