آذانهم ، ومنها إلى قلوبهم ، حتى يعوه ويحفظوه استعدادا للإنذار (فَلَمَّا قَضى) القدر الذي قضي لهم باستماعه (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) :
فليكن القرآن الذي سمعوه قرآنا جامعا لما يتطلبونه : حجة الرسالة ، وهكذا كل القرآن! مخاطبا إياهم في خطاباته وإيحاءاته ، فليكن منه سورة الرحمان (١) ولذلك تراهم ـ لما قضي ـ «ولوا إلى قومهم منذرين ، تحمل قلوبهم ومشاعرهم ما لا تطيق إلا تصديقه والإسراع في إبلاغه ، وإنها لهي حالة امتلاء الضمير بما يملي عليه املاءه للآخرين ، فيا له من قول غلاب قاهر بليغ ، تدخل حشاشته القلوب ، فتقلبها إلى مقلب القلوب!.
وما هي صيغة الإنذار ، الغلابة الخلابة ، المحركة لقلوب المنذرين ، دونما آية اخرى ، إلا هي نفسها؟ إنها :!
(قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) ... : (فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً)(٢).
كيف ـ والقرآن أنزل من بعد عيسى ، قالوا ـ : (أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى)؟ ألأنهم كانوا هودا ناكرين إنجيل عيسى؟ وهذا مس من كرامة مرسلي الجن أن يكونوا كفارا ، والمرسلون هم المصطفون! فليكونوا ممن آمن بنبوات تترى ، فإيمانا بعيسى (ع) بعد موسى ، ثم انصرافا إلى خاتم الأنبياء!
أم لأن القرآن يشابه كتاب موسى (ع) إذ يحمل شريعة الناموس كأساس ،
__________________
(١) في مجمع البيان روى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : فلما قرأ رسول الله (ص) الرحمان على الناس سكتوا فلم يقولوا شيئا فقال رسول الله (ص) : الجن كانوا أحسن جوابا منكم ، فلما قرأت عليهم : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) قالوا : «لا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب».
(٢). راجع تفسير سورة الجن (الفرقان ج ٢٩ ص ١٣٢.