(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ (١) فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).
عرض لهم على النار في الاخرى لتشتريهم ، كما شروا أنفسهم بموجباتها في الاولى ، ثم تعريض بكلمة لاذعة : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ) ثم تحويل لهم إلى النار وبئس القرار : فهم إذا في ثالوث العذاب جزاء من ربك عذابا وفاقا ، كما كانوا في الاولى يعرضون أنفسهم على نيران الشهوات ، ويعرضون عن الموعظات تعريضا بتفكهات ، ويذيقون أهل الحق بمختلف العذاب : نفسيا وجسدانيا ، فيوم العرض يجمع لهم بين رؤية العذاب ـ وهو حقيقة أعمالهم ـ وبين واقعه : يتوسطها سؤال قارع نفوسهم ، عذابا فوق العذاب ، ثم جواب يلوي أعناقهم ويلدغ أعماقهم : (قالُوا بَلى وَرَبِّنا)! بكل مذلة وارتياع ، يحلفون بربهم الذي كانوا به يكفرون ، إن عذابه هو الحق الذي كانوا ينكرون ، وهنا لك الجواب مع انتهاء الحوار البوار : أن وقع الحق وبطل ما كنتم تهرئون واليه تهرعون : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).
هذه نهاية الحجة الدامغة القارعة على الذين كفروا ، بعرض البراهين كلها ولحد كأنهم يشهدون مشهد العرض يوم العرض ، ومن ثم تصبير للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وتسكين لخاطره الشريف عما يلقاه من أذيات ، تصبرا في سبيل الدعوة على عزم كما صبر اولوا العزم :
(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)
ألا يا أيها الرسول! إنه لطريق شاق مرير ، فيه دماء تسيل من أشلاء تفرش فيه ألوان الأذيات والحرمانات ، وفيه ما لا يتصبر عليه إلا أولوا العزم الراسخ وبعون الله «فاصبر» :