صبرا يصمدك في وجه الطغيان ، صبرا يقدمك في اجتياز تلك العقبات ، فانظر إلى سيرة أولي العزم من الرسل ماذا تحملوا من المشاق والعقوبات (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) : ولقد صبر كما أمر على مكروهها ومحبوبها (١).
وترى من هم أولوا العزم من الرسل؟ من الواضح أنهم أفضلهم قبل أن نعرف معنى عزمهم ، لمكان «من» : فهم بعضهم ، وأن خاتمهم ـ وهو أفضلهم أجمع ـ لا يؤمر إلا بتصبر البعض الأفضل ، بل وأفضل منهم ، ولأنه يحمل أفضل الشرائع وأعظمها وأعزمها.
ثم العزم هو الثبات والجد والفرض والصبر والحزم : أن سبقوا الأنبياء في إقرارهم بالله ، وثباتهم دون تفلت في الدعوة إلى الله (٢) ، وحزمهم في سبيل الدعوة إلى الله ، وعموم شرعتهم إلى عباد الله (٣) واستقلالها عمن مضى من يوم ، لقاء الله فبقاء شريعتهم وعزمها حتى يأتي ولي عزم آخر من الله أم إلى
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٤٥ ـ اخرج ابن أبي حاتم والديلمي عن عائشة قالت : ظل رسول الله (ص) صائما ثم طوى ثم ظل صائما ثم طوى ثم ظل صائما قال : يا عائشة! ان الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد يا عائشة! ان الله لم يرض من اولي العزم من الرسل الا بالصبر على مكروهها والصبر على محبوبها ثم لم يرض مني الا ان يكلفني ما كلفهم فقال : فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل ـ واني والله لأصبرن كما صبروا جهدي ولا قوة إلا بالله.
(٢) بحار الأنوار ج ١١ ص ٣٣ ج ٣٠ عن الامام الصادق (ع) في معنى أولي العزم «أي انهم سبقوا الأنبياء الى الإقرار بالله وأقروا بكل نبي كان قبلهم وبعدهم وعزموا على الصبر مع التكذيب لهم والأذى».
(٣) المصدر ج ٢٥ عن الامام الصادق (ع) «بعثوا الى شرق الأرض وغربها» «وجنها وأنسها» كما في ج ٦١ ص ٥٦.