تبديلا بما تابوا فلا يأتوا بعد إلا بحسنات ، فيثابون كذلك أن تبدل سيئاتهم فيما مضى بحسنات ، ومن أقله تكفيرها.
ثم وليست هذه وتلك فوضى جزاف ، بل بأسباب من هؤلاء وهؤلاء استحقوا بها هذه وتلك :
(ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ).
فاتّباع الباطل يتبع العمل الحابط الباطل ، ضلال تلو ضلال ، كما اتباع الحق يتبع العمل الحق وصلاح البال ، ثم وليس عرض الكفار بأعمالهم وآمالهم فضلالهم ، ولا عرض المؤمنين بصالحاتهم فتكفير سيئاتهم وإصلاح بالهم ، ليس إلا مثلا يضرب به لكتلة الحق والباطل أيا كانوا ، ليضرب في أعماق الحياة ، بين الذين آمنوا مع بعض ، وبين الذين كفروا مع بعض ، كما بين الذين كفروا وصدوا ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ولا يختص حكم الحبط بالكافر الصاد ، مهما كان أحبط من الكافر غير الصاد ، كما ولا يختص بالكافر ، فيشمل المؤمن المرائي ام من ذا ، بسائر هؤلاء الذين تحبط اعمالهم ، دنيا وعقبى ، كلا أو بعضا ، كما لا يختص تكفير السيئات وإصلاح البال بالمؤمنين الكاملين ، وانما لهم الأكمل ، (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) السورة ، «كذلك» الضابطة العامة مع كونها حقا واقعا (يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) فهو مثل يقاس عليه كل من اتبع الحق أو الباطل ، كهذا المثل ام سواه في مختلف درجات الايمان ودركات الكفر ، او الفسوق والاعتدال.
(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ).