ثم إن لتثبيت الاقدام في هذه السبيل جلوات شتى ومجالات : في معارك الكرامة وكافة معتركات الحياة : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ..) (١٤ : ٢٧) : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) (٨ : ١٢).
وهذه النصرة المطلقة من الله ليست إلا عند مطلق النصرة من المؤمنين بالله : ان يتجردوا في نفوسهم برغباتها لله ، فيتجردوا عنها وعن كل نفائسهم حفاظا على شريعة الله ، تفدية لحياة شخصية لإقامة حياة جماهيرية على ضوء دين الله ، أو يميتوا من هو خطر على حياة الشريعة ، دونما غبش هنا وهناك ولا غش يغطي : ان يكون الجهاد صيغة واحدة : (فِي سَبِيلِ اللهِ) وقد سئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ، ايّ ذلك في سبيل الله؟ فقال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله (١) فلا راية في الحرب إلا راية : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) دون اية رايات أخرى من حميات وشجاعات وسائر الرغبات.
وترى كيف ان تثبيت الأقدام يتلو النصر هنا وما النصر إلا به : أن تثبت على المحنة والبلاء حتى تنتصر فكيف يتأخر هنا عن النصر؟ أقول : هناك تثبيت أول هو من أداة النصر ان يثبت على المحنة والبلاء ، وآخر هو أن يثبت على النصر والنعماء لكي لا ينتصر ببطرهم وزهوهم الأعداء ، فكثير هؤلاء الذين ينتصرون ، ثم وكثير منهم يخسرون إذ لا يثبتون على شروطات النصر ، وقليل هؤلاء الذين يثبتون فيكسرون شوكة العدو على طول الخط دونما رجعة.
إذا فالنصر الدائب يعيش بين ثباتين اثنين ، ثانيهما الأهم فانه اداة استمرارية
__________________
(١) أخرجه الشيخان وابو داود والترمذي والنسائي.