النصر وإنتاجه ، فليست بداية النصر هي نهاية المعركة ، وانما دوامه الذي يكلف من الثبات اكثر واكثر ، فلذلك يتأخر اثبات الأقدام على النصر : (يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ)!.
هذه نصرة المؤمنين وهدايتهم ، فكيف إذا تعسة الكافرين وضلالتهم ، وكل إنسان يعمل على شاكلته :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) :
(فَتَعْساً لَهُمْ) سقوطا على وجوهم يمشون ، دون قيام وانتعاش : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٦٧ : ٢٢) مثالان لمشية الكافرين والمؤمنين في الحياة ، فمشية الكافر تعسا مكبا على وجهه انما هي في ضلال ، وإن كانت بكل دلال وجلال.
ثم وليس التعس هنا دعاء من الله وإنما إخبار أن الله أضل اعمالهم بما أضلها تعسهم(١) ، فسيرة المكب على وجهه في مشيته ليست إلا مصيرة الضلالة ، فتعسهم هو السبب لضلال أعمالهم مهما كان الله هو المحقق لضلالهم : تركا لهم في عيّهم يعمهون ، او دفعا لهم في غيهم يمرحون جزاء بما كانوا يعملون ، (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) فهم وأعمالهم الى ضياع وفناء ، والله منهم براء :
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) : أحبط الله اعمالهم بما انحبطت بكراهتهم ما أنزل الله ، فالضلال هناك هو الحبط هنا ، مسببا عن تعسهم بما فيه كراهة ما أنزل الله!
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها).
استفهام تنديد وتبكيت بمن لا يسير في الأرض ، في تاريخ الأرض بمن عليها جغرافيا ، وفي جغرافيا الأرض تاريخيا ، سيرا بدنيا ونظريا ، ليأخذ عبرا عبر
__________________
(١) ضمير الغائب في أضل يتحمل الرجوع الى تعسهم كما يرجع الى الله.