الأرض لا الأرض مطلقا ، بل الظاهر دخول شيء منها فيصحّ القول بلا خدشة ، لكن الرواية مرفوعة غير مشهورة ، ولا ريب في كونه خلاف الظاهر للاية ، فان الظاهر من مساجد الله لا أقلّ خلاف ذلك ، ومع ذلك ينافي ظاهر ما روي في شأن النزول فتفكّر.
التوبة [١٧] (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ).
أي ما كانوا أهل ذلك ولا جاز لهم ، أو ما صحّ ولا استقام لهم ، والمراد ليس لهم عمارة شيء من مساجد الله مطلقا ، فضلا عن المسجد الحرام ، وهو صدرها ومقدّمها ، وهذا أبلغ ، وقيل هو المراد كما هو الظاهر على قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب (١) «مسجد الله» لقوله تعالى فيما بعده (وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وإنّما جمع لأنّها قبلة المساجد كلّها وإمامها ، فعامره كعامر جميعها ، أو لأنّ كلّ بقعة منه مسجد.
(شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ.)
بإظهار كفرهم فإنّهم نصبوا أصنامهم حول البيت وطافوا حول البيت عراة وسجدوا لها كلّما طافوا شوطا ، وقيل : هو قولهم «لبّيك لا شريك لك إلّا شريك هو لك تملكه وما ملك» عن الحسن ، لم يقولوا نحن كفّار ، ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر ، وقيل هي اعترافهم بملّة من ملل الكفار كالنصراني بأنّه نصرانيّ.
وروي أنه لمّا أسر العبّاس يوم بدر وبّخ علىّ عليهالسلام العبّاس بقتال رسول الله صلىاللهعليهوآله وقطيعة الرحم ، فقال العبّاس : تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا ، فقال أولكم محاسن؟ قال : نعم ، إنّا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحجيج ، ونفكّ العاني : فنزلت (٢) ونصب شاهدين على الحال من الضمير في يعمروا.
(أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ.)
من القربات من عمارة المساجد وغيرها ، وفي الكشاف والجوامع : الّتي هي العمارة والحجابة والسقاية وفكّ العناة ، ونحوه في تفسير القاضي فتأمل فيه.
__________________
(١) انظر تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ١٨٧ وص ١٨٨.
(٢) انظر مسالك الافهام ج ١ ص ١٨٨ والكشاف ج ٢ ص ٢٥٤.