شديدا والمخافتة ما دون سمعك أي لم يسمعه إذنك (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) أي بين المخافتة والجهر ، أو بين الجهر الشديد والمخافتة جدا ، فلا يجوز الإفراط ولا التفريط ، ويجب الوسط والعدل ، لكن قد علم من السنّة الشريفة اختيار بعض أفراد هذا الوسط في بعض الصلوات كالجهر غير العالي شديدا للرجل في الصبح وأوليي المغرب والعشاء ، وكالإخفات لا جدّا بحيث يلحق بحديث النفس في غيرها من الفرائض ، وهل ذلك على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ فيه نظر.
ثمّ لا يخفى أنّ ما نسب إلى أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام لا ينافي ذلك.
الأحزاب [٥٦] (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.)
قرئ «وملائكته» بالرفع أيضا عطفا (١) على محلّ إنّ واسمها ، أو بحذف الخبر لدلالة يصلّون عليه ، ثمّ المشهور أنّ الصّلاة من الله الرّحمة ومن غيره طلبها. في الكشاف في تفسير قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ)(٢) لمّا كان من شأن المصلّى أن ينعطف في ركوعه وسجوده ، أستعير لمن ينعطف على غيره حنوّا عليه وترؤّفا كعائد المريض في انعطافه عليه ، والمرأة في حنوها على ولدها ، ثمّ كثر حتّى استعمل في الرّحمة والترؤّف ، ومنه قولهم : صلّى الله عليك ، أى ترحم عليك وترأّف.
__________________
(١) انظر كنز العرفان ج ١ ص ١٣٠ والكشاف ج ٤ ص ٥٥٧ ونقل هذه القراءة في شواذ القرآن ص ١٢٠ عن ابى عمرو ونقلها في روح المعاني ج ٢٢ ص ٧٢ عن ابن عباس وعبد الوارث عن ابى عمرو ونقل في المجمع ج ٤ ص ٣٦٩ أيضا قراءة فصلوا عليه في الشواذ وقال في الحجة انما جاز دخول الفاء لما في الكلام من معنى الشرط.
(٢) انظر الكشاف ج ٣ ص ٥٤٥ وص ٥٤٦ تفسير الآية ٤٣ من سورة الأحزاب قال ابن ـ المنير في الانتصاف المطبوع ذيل الكشاف عند ما نقله المصنف عن الكشاف في معنى صلاة الملائكة انه كثيرا ما يفر الزمخشري من اعتقاد إرادة الحقيقة والمجاز بلفظ واحد وقد التزمه هنا.
قلت وقد قدمنا في ص ٥٠ ـ ٥٥ من هذا الجزء عدم المانع من استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد فراجع.