هذا ولا يخفى ما يستفاد منه من الترغيب والتحريض في مجالسه الصلحاء والعبّاد وإن كانوا فقراء ، وحفّت مجالستهم بمكاره تتأذّى منها النفس وتنفر ، وفضل الدعاء وكأنه هنا يعمّ الأذكار وقراءة القرآن ، والصلاة وفضيلة وقت الغداة والعشيّ ، وهو ان زينة الدنيا ، وضرر التوجّه إليها وإلى أهلها ، واستقباح العدول عن صحبة أهل الطاعة إلى صحبتهم ، ولو لاحتمال مصلحة دينيّة.
(وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) أي جعلنا قلبه غافلا عنه كقولك أجبنته وأفحمته وأبخلته ، إذا وجدته كذلك أو من أغفل أهله إذا تركها بغير سمة أي لم نسمه بالذكر ولم نجعلهم من الّذين كتبنا في قلوبهم الايمان ، أو نسبنا قلبه إلى الغفلة كما يقال أكفره إذا نسبه إلى الكفر.
قال الكشاف (١) : وقد أبطل الله توهم المجبّرة بقوله (وَاتَّبَعَ هَواهُ) وقرئ «أغفلنا قلبه» بإسناد الفعل إلى القلب على معنى حسبنا قلبه غافلين عمّن ذكرنا ، فلا نعرف من ذكرنا ممن لم يذكرنا ، أو من آمن بذكرنا ممّن لم يؤمن به ، أو عن ذكرنا إيّاه بالمؤاخذة وذلك أيضا من أغفلته إذا وجدته غافلا.
(وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) : متقدّما للحقّ والصواب ، نابذا له وراء ظهره ، من قولهم فرس فرط متقدّم للخيل ، وفيه من التحريض على ذكر الله واتّباع آياته والزّجر عن الغفلة ومتابعة الهوى ما لا يخفى.
وقد يستفاد عدم جواز المماشاة مع الكفّار والمنافقين أو الفسّاق أيضا فيما يرومون من تعظيمهم والمداخلة معهم والمخالطة بهم استجلابا لقلوبهم إلى الحق ، والله أعلم.
السادسة عشرة [آل عمران : ١٩٠] (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ.)
__________________
(١) الكشاف ج ٢ ص ٧١٨ ونقل قراءة أغفلنا قلبه بفتح اللام وضم الباء في شواذ القراءات لابن خالويه ص ٧٩ عن عمرو بن فائد ونقله في روح المعاني ج ١٥ ص ٢٤٤ عن عمرو بن فائد وموسى الأسواري وعمرو بن عبيد.