كتاب الزكاة
وفيه مباحث :
الاولى في وجوبها والحث عليها ومحلها وشرائط قبولها
وفيه آيات : الاولى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) قيل : لما حوّلت القبلة وكثر الخوض في أمرها حتّى كأنه لا يراعى في طاعة الله إلّا التوجّه للصلاة ، نزلت. والخطاب للمسلمين وغيرهم ، أي ليس البرّ كلّه أو البرّ العظيم الذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمر القبلة.
وقيل الخطاب لأهل الكتاب فإنّهم أكثروا الخوض على الباطل ، أي ليس البرّ ما عليه النصارى من التوجّه إلى المشرق ، ولا ما عليه اليهود من التوجّه إلى المغرب ، وهو أنسب بالكلام ، وأقوى في المقام مع عموم الخطاب ، والتعريض بفعل الطائفتين.
ولكنّ البرّ (برّ) من آمن على حذف المضاف أو يراد بالبرّ البارّ لأنه مصدر ، أو ذا البرّ لأنه اسم أو كما قالت «فإنما هي إقبال وإدبار» (١) والأنسب على الأوّل وهو أحسن الوجوه لموافقته لقوله (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا) أن يكون التقدير : فعل من آمن كما نفي هناك أن يكون البرّ فعلهم من التولية.
فإذا كان الخطاب لأهل الكتاب أو مطلقا أفاد أن ليس لهم في أعمالهم ما يمكن أن يظنوه من البرّ إلا التولية كما يقتضيه خوضهم ، ولذلك أتى به بعينه ، وهو على تقديره ليس بعظيم بل البرّ أو العظيم منه منحصر في فعل من آمن ، وحينئذ فيتوجه
__________________
(١) انظر تعاليقنا على مسالك الافهام ج ٢ من ص ٣ الى ص ٦ والقصيدة للخنساء ترثى بها صخرا.