الثانية حم السجدة [٧] (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) المفروضة ، وفيه دلالة على أن الكفّار مخاطبون بالفروع ، وأن الزكاة واجبة عليهم وإن لم تصحّ منهم حال الكفر ، وسقط عنهم بالإسلام للإجماع والأخبار (١) فإنّ الظاهر كما هو المشهور أنّ تعليق الحكم بالوصف يشعر بالعلية ، فيستفاد أن لعدم إتيانها تأثيرا في ثبوت الويل لهم.
وقيل معناه لا يطهرون أنفسهم من الشرك بقول «لا إله إلا الله» فإنها زكاة الأنفس وطهارتها من نجاسة الشرك عن عطا عن ابن عباس ، وقال الفراء الزكاة هنا أنّ قريشا كانت تطعم الحاجّ وتسقيهم ، فحرّموا ذلك على من آمن بمحمّد صلىاللهعليهوآله وقيل معناه لا يقرّون بالزكاة ولا يرون إيتائها عن الحسن وقتادة.
(وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) حال مشعرة بأنّ امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في طلب الدنيا وإنكارهم للآخرة ، وكأنّ من قال بدلالة الآية على كفر مستحلّها قال من ههنا ، باعتبار القول الأخير بل على الأول أيضا ، لأنّ من المعلوم أن تركهم لها كان على جهة الاستحلال كما هو شأن المشرك.
ويفهم من الجملة الحالية أيضا مع العلّية لكن فيه أن غاية ما يلزم أن يكون علة ترك المشركين بها الكفر أما مطلقا فلا ، وربّما أيّده الحصر في الحالية وكذا كونها مقيدة فليتأمل.
نعم في الروايات ما يدلّ على أن مانع الزكاة غير مؤمن ولا مسلم ، فليتدبر.
الثالثة في التوبة [٣٦] (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) الكنز في الأصل مصدر بمعنى جمع الشيء بعضه إلى بعض ثمّ قيل لذلك الشيء ، ويقال للمال المدفون كثيرا ، والمراد هنا الأوّل.
(الذَّهَبَ) سمّي به لأنه يذهب ولا يبقى (وَالْفِضَّةَ) فضّة لأنّها تنفض وتتفرّق ، فلا يبقى وحسبك بالاسمين دلالة على فنائهما.
__________________
(١) انظر تعاليقنا على مسالك الافهام ج ٢ من ص ١٤ الى ص ١٦ في حديث «الإسلام يجب ما قبله».